إعادة الإعمار وقوانين العمل 2
ميلاد شوقي ميلاد شوقي

إعادة الإعمار وقوانين العمل 2

عملية إعادة الإعمار تتطلب بالإضافة إلى القوانين التي تنظم استثمار وحماية رؤوس الأموال، وتتطلب أيضاً قوانين عمل تحمي الطبقة العاملة، فبدون هذه الأخيرة، فإن عملية إعادة الإعمار ستتعثر حتماً، من هنا يجب الاهتمام بالطبقة العاملة وحمايتها، وتوفير حياة كريمة للعمال وأسرهم، وقد تحدثنا في العدد الماضي عن ضرورة تشميل العمال جميعهم مهما كان نوع العمل الذين يقومون به، بأحكام قانون العمل دون استثناءات.

قانون عمل واحد
من التغييرات الضرورية المطلوبة على قوانين العمل: توحيد التشريعات العمالية للعمال كافة في البلاد، دون تفرقة بحجة خصوصية كل قطاع على حدة، لأن العمال جميعهم يعملون في ظروف وشروط عمل متشابهة، ومستوى معيشي واحد، وبالتالي، إيجاد عدة قوانين عمل ليس له هدف سوى تشتيت مطالب الطبقة العاملة، ومنع توحيدها في مقابل السماح لأرباب العمل بتشكيل اتحادات وتجمعات وشركات قابضة.

حرية تعاقدية أم حرية استغلال؟
إلغاء مبدأ: العقد شريعة المتعاقدين، وتقييد مبدأ الحرية التعاقدية في قوانين وعقود العمل، لما فيها من استغلال بحق العمال، فهذه القواعد مجرد عبارات قانونية جوهرها الحقيقي الالتفاف على حقوق العمال، وإخضاعهم لأصحاب النفوذ الحقيقي في المجتمع، فعقود العمل لا تقوم بين طرفين متساويين، بل بين طرف يملك المال والنفوذ، وطرف أخر ضعيف لا يملك سوى قوة عمله التي يبيعها لكي يعيش منها، وهنا لابد من وضع قواعد إلزامية في قانون العمل لا يجوز الاتفاق على خلافها، إلا إذا كان الاختلاف لمصلحة العامل، فتدخل الدولة في تنظيم علاقات العمل وشروطه، مع فرض رقابة قضائية على حالات التسريح من العمل، وإعادة الاعتبار والثقة  للمحاكم العمالية، سيؤدي إلى إقامة علاقات عمل متوازنة تخدم في نهاية عملية الإنتاج.

رفع الحد الأدنى للأجور
رفع المستوى المعيشي للعمال، فالإبقاء على هذا المستوى المتدني جداً من الأجور لا يعرقل إعادة الإعمارفقط، بل يعرقل البدء به ويفشل نجاح أي استثمار حقيقي في البلاد، وفي النهاية، المستثمر يبحث من خلال سعيه للربح، إلى سوق لتصريف بضاعته أيضاً فإذا كانت معدلات الاستهلاك منخفضة جداً، فهذا سيؤدي إلى كساد بضاعته، وبالتالي إلى فشل مشروعه وخسارته، والفكرة التي تقول: إن انخفاض الأجور يجلب الاستثمارات أثبتت عدم صحتها، بل الواقع أكد أن انخفاض الأجور يعرقل عملية الإنتاج، لما له من آثار سلبية على العمال، وعلى قدرتهم في تجديد قوة عملهم وعلى استهلاكهم .

إعادة الإعمار تكون مع إعادة الحقوق لا سلبها!
إن ترك العامل وحيداً في مواجهة أصحاب العمل، مع تقيد حريته ومنعه من استخدام سلاحه الوحيد وهو: الإضراب لتحصيل حقوقه، فهذا لا يعد تشجيعاً للاستثمار كما تحاول قوى الفساد ترويجه، بل تعطيلاً وتدميراً لعملية الإنتاج، لأن قوى الفساد تبحث دائماً عن فرص استثمارية ذات ربحٍ سريعٍ لتحويله إلى الخارج، لذلك تعمل هذه القوى على إفشال الاستثمارات الحقيقية في القطاعات الإنتاجية، كالزراعة والصناعة، وصولاً إلى إفشال عملية الإنتاج بأكملها من جهة، والتعدي على حقوق غالبية الشعب، وسلبه حقوقه وخفض مستوى معيشته من جهة أخرى، سيؤدي حتماً إلى تهديد السلام الاجتماعي ولنا في أسباب انفجار الأزمة عام 2011 خير دليل على ذلك، وفي أحسن الأحوال، قد تؤدي تلك السياسات إلى عزوف العمال عن العمل، والبحث عن فرص عمل في خارج البلاد، كما يحصل الآن بسبب قوانين العمل المعمول بها حالياً.

الحقوق تنتزع ولا تعطى!
عدم تأمين حقوق العمال ورفع مستوى معيشتهم وسلبهم حقوقهم القانونية التي كفلها لهم الدستور والاتفاقيات الدولية، لن يؤدي بكل تأكيد إلى إعادة الإعمار، ولا إلى زيادة معدلات النمو، والطبقة العاملة تعرف حقوقها، وتعرف كيف تنتزعها من أعدائها الطبقيين، والحركة العمالية في سورية تاريخها يشهد لها كيف انتزعت حقوقها انتزاعاً، وكيف شكلت نتيجة لنضالاتها الطويلة نقاباتها العمالية!

معلومات إضافية

العدد رقم:
838