أمريكا وخذلان الحلفاء والأتباع
سعيد أحمد سعيد أحمد

أمريكا وخذلان الحلفاء والأتباع

خذلان متتالٍ يطال كل المستمرين في الرهان على الدور الأمريكي، ليس بسبب جرعات النشوة الصغيرة والمؤقتة، التي يتلقونها بين الحين والآخر، على إثر موقف أمريكي متبجح من هنا، أو تصريح ناري من هناك، والتي لا تلبث أن تستنفذ فاعليتها ليصيبهم الخذلان، بل بسبب التأرجح والتذبذب العميق في الموقف الأمريكي نفسه، الناجم عن التبدلات الطارئة على مستوى التوازنات الدولية، ودور القوى الدولية الجديدة الصاعدة فيها، وبقوة.

 

ومما لا شك فيه: أنَّ الأزمة السورية وتداعياتها وتشابكاتها، المحلية والإقليمية والدولية، بواقعها الراهن، أو بأفقها القادم حتماً، عبر الحل السياسي وفقا للقرار 2254 كخيار لا بديل آخر سواه، هي مؤشر، ليس الوحيد، ولكن فيه من العمق والوضوح ما يكفي لقراءة الواقع الجديد على مستوى العلاقات الدولية، وموازين القوى الدولية الناشئة بناءً عليه.

تهليل وخذلان

المراهنين على الدور الأمريكي على مستوى الأزمة السورية، من القوى الفاعلة محلياً وإقليمياً ودولياً، استساغوا النشوة المؤقتة والعابرة، ولكنهم لم يستسيغوا الخذلان حتى تاريخه، بدليل بحثهم المطّرد عن نشوة جديدة مصدرها أمريكي، ولو أصغر وأسرع عبوراً، فتراهم يهللون تارةً لصواريخ التوماهوك التي ضربت قاعدة الشعيرات، وتارةً لعنوان صحفي يقول «أمريكا تدق طبول الحرب في سورية»، كما هللوا سابقاً لاستهداف الجيش السوري من قبل قوات التحالف بقيادة أمريكا في محيط جبل الثردة في دير الزور، أو لاحتمال الضربة العسكرية الأمريكية بنهاية عام 2013، بذريعة الأسلحة الكيماوية السورية، مستذكرين الذرائع الأمريكية في ضرب العراق، بذريعة أسلحة الدمار الشامل، وغيرها الكثير من أمثلة النشوة المؤقتة والخذلان المتكرر، والتي لم تستطع أي منها من تغيير خارطة الفعل لمصلحة أمريكا، أو حلفائها، بل على العكس من ذلك تماماً، هو ما جرى على أرض الواقع والفعل.

تخبط وتوريط أمريكي

لعله من الواضح أن المنخرطين في الأزمة السورية، بالشكل المباشر وغير المباشر، المستندين إلى الشكل القديم من التوازنات الدولية، والمعتمدين عليه بحكم التبعية، التي كان للولايات المتحدة دور الهيمنة فيها، باتوا متخبطين بما فيه الكفاية، ليس بسبب الانكفاء المطّرد والمتسارع لدور أمريكا على الساحة الدولية كنتيجة حتمية لمتغيرات التوازنات الدولية الناشئة، بل بسبب تخبط هذا الدور نفسه والضياع فيه، بحكم الظروف الموضوعية والذاتية، التي تحكم البيت الأمريكي، داخلاً وخارجاً.

على المقلب الآخر فقد بات واضحاً أن أمريكا، بحكم تخبطها وتأرجحها وضياعها، أصبحت مضطرةً لاستنفاذ إمكانات حلفائها وأتباعها، بل لا مانع لديها من توريطهم المباشر عبر استخدام هذه الإمكانات، رغم انحسارها وتراجعها، بحكم التراجع العام للدور الأمريكي نفسه، أو استخدامهم المباشر، من أجل تسعير وتوتير الأوضاع في رقعة جغرافية ما، أو من أجل خلط الأوراق في رقعة جغرافية أخرى، اعتباراً من بحر الصين الجنوبي، مروراً بشبه الجزيرة الكورية، وليس انتهاءً بالصراعات القائمة في الشرق الأوسط، وبهذا السلوك أصبحت أمريكا عملياً تضحي بحلفائها، وأتباعها وأدواتها، رويداً وتباعاً، ولن ينجوَ من ذلك إلا من يستطيع قراءة التغيرات العميقة في خارطة التحالفات الأمريكية الغربية، وانعكاس متغيرات التوازنات الدولية الجديدة، والقوى الصاعدة الفاعلة فيها، على هذه التحالفات.

ولعل العلاقات التركية الأمريكية مثالٌ حيٌ على ذلك، فقد تجاوز الواقع العملي لهذه العلاقات إمكانية استعادة خطوط العودة فيها لما كانت عليه سابقاً، علماً أن تركيا هي حليف تاريخي لأمريكا، وهي قاعدة متقدمة لحلف الناتو في المنطقة، وقوة فاعلة فيه، وعلى الرغم من ذلك ما زالت كقوة إقليمية تنتشي بالجرعات الأمريكية المؤقتة والعابرة، حالها كحال بقية القوى الدولية والإقليمية، الحليفة والتابعة، وكحال الأتباع الصغار على المستوى المحلي السوري أشباه «النصرة» و «داعش» أو «معارضة الرياض»، وغيرهم ممن ينتشون ويخذلون مراراً وتباعاً، وهم يقولون: هل من مزيد، في محرقة أمريكية غربية، لن تستثني أحداً من هؤلاء.

ثوابت

خلاصة القول، أن الثابت هو: ما يجري على مستوى المتغيرات الدولية، والعلاقات الدولية الجديدة الناشئة، ودور القوى الدولية الصاعدة وبقوة على مستوى هذه العلاقات، في مسار يخط استحقاقاته لصالحها، اعتباراً من المواقف تجاه بؤر النزاع والصراع، وسبل حل هذه النزاعات عبر القانون الدولي والمسارات الدولية الجديدة، مروراً بتعزيز العلاقات الدولية بقواها الدولية الصاعدة، عبر جملة من الاتفاقات ذات الطابع الاقتصادي، وليس انتهاءً بالسيطرة على الانكفاء والتراجع الأمريكي نفسه على مستوى خارطة التوازنات الدولية الجديدة الناشئة.

أما على مستوى الشأن السوري: فقد أصبح واضحاً أن مسار الحل السياسي وفقاً للقرار 2254 هو الاستحقاق الوحيد الثابت، والذي يسير قدماً وبقوة، بحكم استناده على منشأ قوته الناجم عن العلاقات الدولية الجديدة، ودور القوى الصاعدة فيها، على الرغم من كل مساعي خلط الأوراق والتأزيم الميداني كلها، عبر الأدوات والأتباع الأمريكيين، صغاراً وكباراً، محلياً واقليمياً ودولياً، في مساعٍ لتأخير هذا الاستحقاق، ربما، ولكن لا يمكن بحال من الأحوال تغييره، أو تحييده عن مساره ومبتغاه، مع الفوائد المرتبطة بذلك كلها، والمتمثلة بالمزيد من المحترقين نشوةً على النار الأمريكية.

معلومات إضافية

العدد رقم:
808