أحمد محمد العمر أحمد محمد العمر

عمال بلا حقوق.. حتى البسيطة منها..

تعد مسألة تأمين لقمة العيش والحياة الكريمة للمواطن من أولى مهام الدولة تجاه مواطنيها، بل ويشكل الدفاع عنها  أبرز مبررات وجودها، إلا إننا مازلنا نشهد مسلسلات ذات حلقات مختلفة السيناريوهات، هزلية الحبكة والصراع والشخصيات، عن التفنن في إنهاك المواطن بلقمة عيشه والعبث بكرامته والتعدي على حقوقه على مرأى ومسمع الفاسدين في جهاز الدولة، عبر برامج وخطط مشبوهة وفاسدين كبار يفتعلون الأزمات ويختلقونها باستمرار، ليجنوا حصادها ليكدسوا ثرواتهم الجديدة فوق ثرواتهم القديمة

لقد سمعنا وشاهدنا وكتبنا كثيراً عن أُناس تلوثت أيديهم بالفساد، واغتصبوا الحقوق أو نالوا منها، ولكن لم نجد من يردع هؤلاء أو يحاسبهم بصورة جدية وحاسمة، مما أتاح وجود وتوالد الكثيرين غيرهم ممن يعبثون بحقوق ولقمة عيش أبناء الطبقة الكادحة، وخصوصاً فئة عمال القطاع الخاص الذين يعانون أكثر من نظرائهم في القطاع العام من التعدي على حقوقهم والاستخفاف بكراماتهم.

والآن، فلقد آن الأوان لتشخيص هذه الأورام الخبيثة التي أصبح لا يمكن معالجتها إلا باستئصالها من جذورها وبترها وتوفير مضاد لها.

 

التأمينات الاجتماعية ووزارة العمل
تعد مؤسسة التأمينات الاجتماعية ووزارة الشؤون الاجتماعية والعمل مسؤولتين عن إخفاء فضائح القطاع الخاص، وبات من واجب الدولة الآن أن تسرع بتنظيف هاتين المؤسستين من الفاسدين وممارساتهم المشينة، وأن تكون صاحبة موقف حازم ينتظره العاملون في هذا القطاع بفارغ الصبر، ويتمثل في قطع أيدي الفاسدين والعابثين بقوانين الدولة وسارقي جهود العمال، إما بغطاء من هاتين المؤسستين أو بتسلط قوى المال والنفوذ.
ولقد عملت قاسيون على كشف المستور في الكثير من مؤسسات وشركات ومعامل القطاع الخاص التي تعبث بمصالح العمال، وها هي تضع أمام هذين الصرحين الحكوميين فضيحة أخرى من فضائح معامل القطاع الخاص، لترى جدية تطبيق سياسة الإصلاح..
ففي عربين بريف دمشق، يقع معمل فلورا للخياطة، وهو أحد معاقل هضم الحقوق ونهب العمال منذ ما يزيد عن 20 سنة بالرغم من تنقله من عدة أماكن إلى أن أن استقر في مكانه الحالي في عربين، وأولى المصائب في هذا المعمل التي يواجهها العاملون تهرب صاحب العمل من تسجيل عامليه في التأمينات، وإخفاؤه للعمال حين وصول اللجان الموقرة المرسلة من التأمينات إلى معمله، ولا نعلم ما هي الحجة التي أقنعت هؤلاء المراقبين بعدم وجود عاملين في الصالة الفارغة المجهزة بكل وسائل الإنتاج، (أم أن دفع المعلوم أسكتهم؟)، بالرغم من زيارة هذا المعمل عدة مرات فلا نتيجة فعلية على الأرض لمصلحة العمال..
إننا نسأل المعنيين في التأمينات عن تقاريرهم ونشرها، وكيف اقتنع رؤساء هؤلاء اللجان بهذه التقارير الساذجة التي تحرم أكثر من 50 عاملاً من حقهم في التسجيل بهذا الصرح، أم أن النسب التي ستقدم لا تعني خزينة الدولة ولا تدعمها؟؟ علماً أن آخر الزيارات كانت قبل بداية الأزمة التي نشهدها بقليل، وللعلم يوجد في هذا المعمل من مازال على رأس عمله منذ أكثر من 20 سنة، ولكنه خارج محور التأمينات.. فمن سيعطي هؤلاء حقوقهم وخصوصاً إذا تعرضوا لإصابات عمل من المخاطر التي يواجهونها.
تأتي مسألة الرواتب في الدرجة الثانية، ولكنها الأخطر على وضع العامل لأن العامل يهمه قبل تسجيله في التأمينات أن يحصل على تعبه دون نقصان لتلبية حاجاته، ونحن ما نزال نشهد حالات ارتفاع الأسعار والتي وصلت مؤخراً إلى الضعف وبعضها أكثر. وكانت مؤسسة التأمينات وقانون العمل قد شددا على أن يكون الحد الأدنى من الأجور ما يقارب /10/ آلاف ليرة، ولكن في هذا المعمل يوجد الكثير من العاملين لا يتجاوز راتبهم الحد الأدنى المذكور، وسقف الراتب توقف عند 8000 ليرة منذ 3 سنوات،  وحجة رب العمل في ذلك أنه يدفع  /500/ ليرة كمكافأة ليجدها فرصة حتى يتمنن بها على العاملين، ولن نتطرق إلى ما يمكن أن يفعله مبلغ  /8500/ ليرة، دون زيادة طوال هذه السنين الثلاث، في ظل الظروف المعيشية في البلاد.
أما بالنسبة للدوام مقارنةً بهذا الراتب، فيعمل العاملون من الساعة /8:30/ صباحاً حتى الساعة /5:00/ مساءً، علماً أن مدة الاستراحة هي نصف ساعة على حساب العامل ويصرف من راتبه على هذه الوجبة ويكتفي رب العمل بتقديم الشاي في هذه الفترة.
وبالنظر إلى الإجازات يقدم رب العمل هذا /15/ يوماً إجازة سنوياً من حق العامل أن يأخذها متى شاء، ولكنا نجده قد أخل بهذا الحق، وقام بتعطيل العاملين لمدة /15/ يوماً قطعها من إجازاتهم نتيجة الأحداث التي تشهدها البلاد، وأصبح أمام العامل خيار واحد هو أخذ إجازة مخصومة من راتبه عند حاجته لها، وعند عدم مقدرة العاملين الوصول إلى العمل لضرورات أمنية يقوم رب العمل بخصم مبالغ تساوي مدة الغياب مناصفة بينه وبين العاملين.

هذا ليس تجنياً، بل  هو واقع مرير يعاني منه الكثير من العاملين في هذا المعمل، وللعلم يبلغ بيع (تفريعة) واحدة من إنتاجه ما يعادل راتب شهر كامل للعامل..
تلك أبرز مشكلات العمال في هذا المعمل، وهي تبحث عن أذن صاغية عند دوائر صناعة الأمر والقرار، لتكليف لجان ذات مصداقية عالية تكشف المستور وتعيد الحقوق لأصحابها.
ويجب أن يكون هناك من يقوم بكي الجرح النازف، فكيف نتكلم عن الإصلاح وهناك العديد من فئات الشعب أنهكها الظلم ورخُصت على المسؤولين كرامة الوطن والمواطن اللتين تمثلان أغلى ما يملك، وإذا كانت مؤسسة التأمينات غير قادرة على تأمين أبسط الحقوق للعاملين وهو حق الانتساب إليها والضرب بيدٍ من حديد على أيدي الفاسدين فيها وخارجها، الذين يرتعون ويتلاعبون كما تسول لهم أنفسهم، فعليها الاعتذار والتخلي عن مهامها وتفسح المجال أمام الحكومة بإيجاد رقيب أشد وأقوى على أرباب العمل في القطاع الخاص ويكون قريباً من العاملين حيث لا يوجد أية شركة أو معمل ينتمي لهذا القطاع خالٍ من التعدي ولو على حق واحد من حقوق العاملين على الأقل.

معلومات إضافية

العدد رقم:
542