بازار على صحة العمال
غزل الماغوط غزل الماغوط

بازار على صحة العمال

لا يزال التأمين الصحي في سورية واحداً من القضايا الأكثر إثارة للجدل، فمع أن التامين الصحي بحد ذاته يعتبر مطلبا ضروريا وحاجة ملحة إلا أن آليات تطبيقه حولته إلى مشروع ربحي بامتياز بالنسبة لشركات تقديم الخدمة الطبية التابعة للقطاع الخاص والتي يشير إليها الناس باسم شركات التأمين.

 

بلا منافسة

وبدلاً من أن تطرح أسماء شركات التأمين الوليدة كبدائل مختلفة ينتقي العامل أفضلها وأسرعها في تلبية حاجات عملائها، فُرضت هذه الشركات على المستفيدين دون أن يكون لأي منهم الحق في تغييرها، إذ جرت محاصصة قطاعات الدولة بين هذه الشركات وأقصي رأي المؤمن عليه جانباً، وكأنه ليس الركن الأساسي في عملية التأمين برمتها، ما ألغى تماما فكرة المنافسة فيما بينها والتي كان من شأنها أن تدفعها إلى تحسين خدماتها باستمرار.

على مقاسه

والسؤال المطروح هنا: لِمَ تمت الاستعانة بالقطاع الخاص في مجال ذي مستوى وطني كالتأمين الصحي، بدلاً من إنشاء شركات عامة تتولى الوساطة بين الشركة السورية للتأمين وشبكة الأطباء والصيادلة؟ فالواقع أن الأمر قد ترك برمته للقطاع الخاص «ليفصّل» ما يريد بالمقاسات التي تناسبه ويفرضها على الجميع.

تأمين منتهي الصلاحية

كما يؤخذ على مظلة التأمين الصحي السوري أنها لا تظِل المتقاعدين بل تقصيهم جانباً وكأن توقفهم عن العمل بعد استيفاء سنوات الخدمة يعني أنه لم يعد ثمة حاجة إلى الاهتمام بصحتهم بعد أن بددوا سنوات قوّتهم كعمال أو موظفين ليجدوا أنفسهم مضطرين إلى تحمل أعباء علاجات تزداد ثقلاً يوماً بعد يوم مع استمرار انحدار مستوى الدخل والمشاكل الصحية التي يتسبب بها التقدم في السن.

وما يزيد الطين بلة أن المتقاعد لا يتقاضى أجره كاملاً وإنما نسبة 70 % منه فقط في أحسن الأحوال، وهو ما يعني دفع هذه الشريحة نحو المرض والفقر في حال عجزها عن دفع تكاليف العلاج، ولاسيما بالنسبة للمهن التي تترك آثاراً سلبية واضحة عمن يزاولونها، كعمال مصانع النسيج وما يعانونه من أمراض تنفسية ومعاناة عمال البناء من أمراض الظهر والعظام، وعمال الصناعات النفطية من السرطانات الناجمة عن التعامل مع المواد الكيميائية.. والقائمة تطول.

قلق متجدد

وإلى جانب معاناة العمال من قصور القطاع التأميني وضعفه تستمر مخاوف الجميع من الشائعات التي تتحدث عن ارتفاع وشيك في سعر الأدوية، نتيجة ضغوط  تمارسها معامل الأدوية التابعة للقطاع الخاص على الحكومة، وذلك مقابل تراجع القطاع العام الدوائي وعجزه عن مواكبة احتياجات السوق.  

التأمين ثم التأمين

التأمين الصحي اليوم ليس ترفاً بل ضرورة، وتأخره في بلادنا لعقود مقارنة بكثير من الدول لا يبرر بأية حال من الأحوال قصوره الجلي، ولا سيما حين يتعلق الأمر بالمتقاعدين، ولعل الوقت حان لتنحية المصالح الضيقة لشركات القطاع الخاص في مقابل تعزيز ودعم التأمين الصحي كمطلب وطني وشكل من أشكال احترام حقوق المواطن، وذلك يتطلب بالدرجة الأولى إعادة تعزيز دور الدولة في الحياة الاقتصادية الاجتماعية، فصحة العمال مسألة في منتهى الأهمية ولا يجوز أن تترك بين يدي القطاع الخاص الذي يهتم بالربح قبل كل شيء.

معلومات إضافية

العدد رقم:
786