أحمد محمد العمر أحمد محمد العمر

«وقت الغنايم أنطون نايم..وعند جلي الصحون قوم أنطون»

تبرز اليوم ظاهرة عمالية خطيرة تتجلى في معاناة العاملين في قطاع السياحة الذين توقف معظمهم عن العمل في ظل الأزمة التي تشهدها البلاد ،وهاهي الأزمة المتمثلة بالظروف الطارئة تدخل شهرها الثاني بعد السنة ومازال هؤلاء العاملون على أعتاب الطرقات ينتظرون فرجاً لا تلوح بشائره في أفق قريب بعد أن تعطل سوق السياحة وشل عملها،فمنهم من باع بازاراته وغير عمله، ومنهم من أغلق فندقه الذي يندرج تحت تصنيف أقل من نجمتين أو حوله إلى مقهى في سوق ساروجة وغيرها،ومنهم من أغلق مكتبه وسرح عامليه، ومنهم من يعملون  في المطاعم والمقاهي وانخفض ثلث راتبهم أو على الأقل 10% منه بالرغم من الأجور المتدنية أصلاً ،والكثير تعرض للتسريح مقابل تعويض بسيط أو بدونه.

عمال في مهب الريح:
سورية التي تفوح من مدنها رائحة الحجارة وتراب الحضارات الممتدة على أرضها ورائحة الياسمين من عاصمتها الأقدم ، لم تعد كما كانت،فعمال المصوغات المعدنية الرائعة وعمال المشغولات الشرقية اليدوية التي تنساب من أياديهم خيوط الضوء كخيوط الذهب والفضة، باتوا غير قادرين على الحياة في حدها الأدنى،وعاجزين عن تقديم ليرة واحدة لأسرهم ،فكل يوم تعلو التفاصيل ذاتها وتتصاعد على العاملين في هذا القطاع ويزيد عدد المطرودين منه ، ولا كفيل لهؤلاء ولا تشريع يحميهم من جشع الأزمات التي مرت على جميع العمال وانعكست على معيشتهم وحياتهم ولا أحد يريد أن يسمع أنين معاناتهم، فعمال السياحة أكثر المتضررين من الأزمة بالرغم من الأرباح الطائلة المحصلة من قطاعاتها وقياساً للتسهيلات التي قدمت لها من إعفاءات وتخفيض من الضرائب ولكن أثبتت الأزمة جشع أصحاب المنشآت المتمثل في إهمال العمال.                                               
 
تدني الأجور وسرقة البقشيش:
يعمل عمال المقاهي والمطاعم بما يزيد عن 14 ساعة في اليوم، وهذا وقت طويل جداً، بالمقابل لا يتعدى الراتب المتقاضى عتبة 6000 ليرة وهذا غير منطقي،وكأنه لا يوجد تشريع يحدد أوقات الدوام ولا الحد الأدنى من الأجور ويتلاعب أصحاب هذه المنشآت بالرواتب والدوام حسب أهوائهم وحركة الارتياد على محلاتهم، والحجة التي يقدمونها للعاملين في هذا القطاع عن تدني الرواتب هي غلاء الأسعار والضرائب العالية ووجود البقشيش (البراني) الذي يقولون إنه يتجاوز الراتب المتقاضى،والجدير ذكره أن هذه الحجة لا تتلاقى مع رؤية العاملين الذين يرون كل شيء على الأرض ويقولون  بأن الأسعار في المطاعم والمقاهي باتت تعانق السماء وهذا ما يؤكده مرتادو هذه الأماكن حيث يعانون هم من هذه المشكلة أيضاً حيث قال بعضهم إن أصحاب المطاعم والمقاهي باتوا يحددون الأسعار حسب مزاجهم الشخصي ولا رقيب عليهم ولا حسيب فأنت بحاجة إلى ما يقارب ال (4000) ليرة لكي تتناول وجبة غذاء مع أسرتك التي لا يتجاوز عددها أربعة أشخاص،ويقول مجموعة من العاملين بخصوص البقشيش الذي يتحجج به أصحاب المطاعم والمقاهي إنه لا يصل إلى أياديهم ويشاطرهم عليه المحاسبون الذين يعتمدون طريقة تجميعه وتوزيعه بالتساوي على العاملين كل أسبوع أو في نهاية الدوام ولكن المحاسب يقوم باختلاس نصف المال ويوزع الباقي على جميع العاملين وبعدها لا يتجاوز الراتب مع البقشيش ال (10) آلاف ليرة، والأفضل لنا أن يعطونا راتباً محدداً كما في القوانين ونحتمي بمؤسسة التأمينات دون أن يعاملونا معاملة المذلول.
 
ضعف القوانين وتقصير نقابي:
الواضح أن هموم العمال ومعاناتهم المستمرة كتب عليها ألا تنتهي في بلدنا فلا تشريع يحمي عمّال القطاع الخاص الرديف للتنمية ولو بأبسط الحقوق، ولا نقابات مستقلة قادرة على ممارسة دورها الحقيقي في رفع الظلم عن رقاب العمال ،فالعلاقات التي تربط عاملينا مع أصحاب الأعمال مبنية على مصالح الطرف الثاني باستغلال الطرف الأول وبحماية من التشريعات المعمول بها وهذا من شأنه أن يجعل من الطرف الأول عبداً في زمن انتهت فيه العبودية وإنساناً ذليلاً محتاجاً غير قادر على ترك العمل ولا قادر على نطق كلمة واحدة في تحصيل حقه وهو تحت رحمة صاحب العمل ومنقاد وراء هذه الفرصة ولو بأسنانه وهذا واضح تماماً من خلال استطلاعاتنا التي نقوم بها في لقاء العاملين لتقريب وضعهم وتقديمه إلى الصحافة ، حيث أغلب العاملين يرفضون الإدلاء ولو بكلمة واحدة خشية من أرباب أعمالهم وجشعهم المتمثل بطردهم من عملهم هذا من جانب. أما الجانب الآخر فهو التقصير الحاصل في النقابات في أخذ دورها المطلوب  في التصدي لجشع هؤلاء المستغلين والوقوف في وجه مطامعهم الاستغلالية حيث يئن العمال كل يوم آلاف الأنات ولا سامع لبلواهم أو مجيب لآلامهم ومتاعبهم فالمطلوب.