عادل ياسين عادل ياسين

الليبراليون الجدد... الرقص على أنغام صندوق النقد الدولي

في التقرير الذي نشره صندوق النقد الدولي حول الاقتصاد السوري واتجاهات تطوره، أشاد الصندوق بجملة الإجراءات التي اتخذتها الحكومة، والتي في نيّتها اتخاذها باعتبار تلك الإجراءات قد توافقت مع نظرة الصندوق، كما جرت الإشارة بذلك أمام كل بند تم الحديث عنه (وبالتوافق مع الحكومة).

في بداية التقرير الذي ترجمته (الاقتصادية) تم الحديث عن أسباب العجز الذي وقع به الاقتصاد السوري وهي:

1 - تراجع عائدات النفط واحتمال نضوبه حتى عام 2011 م.

2 - زيادة الإنفاق الاستثماري.

3 - زيادة أجور العاملين في الدولة.

4 - الإنفاق الدفاعي.

من خلال التحديد السابق لأسباب العجز كما عبر عنه التقرير تتضح الطريق لكيفية الخروج من ذلك.

لقد بيّض التقرير وجه الحكومة وأعطاها صك الرضى عن إجراءاتها مما جعل العديد من المسؤولين يتطايرون فرحاً، ويعملون على نشره وامتداحه، وتشكيل لجنة لدراسته، لأن الخطوات التي قامت بها الحكومة لتجليس الوضع الاقتصادي التي ذكرها التقرير والمتمثلة بـ:

- تحرير الأسعار.

- دفع القطاع الخاص أكثر لزيادة استثماراته.

- إعادة هيكله للعمالة الفائضة باعتبار ذلك سيخفف من التكاليف.

- تقليص الاستثمار الحكومي ومحاولة التخلص من الشركات والمؤسسات التابعة (تقليص المؤسسات العامة كما جاء في التقرير).

- الاتجاه نحو رفع الدعم الحكومي.

- الدفع باتجاه إجراء الخصخصة.

إن كل ذلك كان جواز مرور إلى مراكز الاستثمار والأقراض العالمي ووثيقة حسن سلوك يقدمها الصندوق لتلك المراكز عن وضع الاقتصاد السوري وإمكانيات الاستثمار فيه كما اعتقد الكثير من المسؤولين.

الواضح من جلاء الأمور والمنذرة بالويل والثيور أن هناك ترابطاً ورؤية واضحة لدى أعدائنا في الداخل والخارج ومن مواقعهم الطبقية، وبالتوقيت الذي يختارونه الآن لطرح مشاريعهم المختلفة بحيث تتناغم مع بعضها بعضاً لتؤدي الغرض المطلوب منها.

وقد طرحت وصايا صندوق النقد الدولي إلى جانبها العديد من المشاريع والإعلانات في الداخل والخارج خلال فترات زمنية متقاربة لتتوافق مع جملة إجراءات عديدة اتخذت على الصعيد الاقتصادي ذات توجه ليبرالي تخدم قوى السوق، وتزيد من بؤر التوتر لتحقيق أهداف أعداء شعبنا الداخليين والخارجيين في وقت واحد.

إن كل التجارب التي مرّت بها الشعوب، والتي تعاملت حكوماتها مع وصايا صندوق النقد والبنك الدولي (مصر، اليمن، دول في أمريكا الجنوبية، دول أفريقية)، كانت نتيجتها مأساة حقيقية لتلك الشعوب من حيث أوضاعها المعيشية المتدنية جداً نتيجة النهب العالي الذي مارسته قوى العولمة المتوحشة وغيرها، والمثل الأقرب إلى الذهن ما حدث في اليمن منذ وقت ليس بالبعيد، حيث رفعت الحكومة اليمنية الدعم عن المحروقات وزادت أسعاره بناء على توصية تلك المؤسسات الإمبريالية مما أدى إلى نزول الجماهير إلى الشارع لتدافع عن حقها بالحياة، كانت النتيجة عشرات القتلى ومئات الجرحى وبشكل ديمقراطي أيضاً.

فهل هذا ما يريده صندوق النقد الدولي من خلال ما قدمه من النصائح ووصايا للحكومة السورية؟؟

إن التقرير في كل فقراته يؤكد التوافق مع السياسة الاقتصادية للحكومة، فيما يدلى به من نصائح للصندوق عن التزامها بعملية الإصلاح من أجل تطوير الاقتصاد واستكمال التحول إلى اقتصاد السوق وزيادة الاندماج بالاقتصاد العالمي).

إذاً النصيحة الأهم التي تقدّم بها صندوق النقد للحكومة هي استكمال التحول إلى اقتصاد السوق وزيادة الاندماج بالاقتصاد العالمي، وهذا هو برنامج الليبراليين الجدد الذين سعوا لتحقيقه، وقد نجحوا في ذلك إلى حد بعيد رغم الممانعة التي تبديها بعض القوى داخل النظام وخارجه لهذه التوجهات، ولكنها ممانعة خجولة وضعيفة وفي مقدمة تلك القوى نقابات العمال، حيث لا ترتقي تلك الممانعة إلى الدفاع الحقيقي عن الاقتصاد الوطني، وفي المقدمة قطاع الدولة، هذا القطاع الذي يؤمن للناتج المحلي أكثر من نصفه، والذي يضم بين جنباته مئات الألوف من العمال، والمهم إضافة لذلك أن هذا القطاع هو أساس الصمود الوطني في حال تخليصه من ناهبيه، وهذا ممكن في حال ضرب مرتكزات الفساد الكبرى والتي اغتنت من خلال نهبه.

وإن ذلك لن يتم إلاّ بالمشاركة الشعبية الواسعة للطبقات والمتضررة من عمليات النهب وفي مقدمتها الطبقة العاملة صاحبة المصلحة الحقيقية في الدفاع عن الاقتصاد الوطني والتي توجه لها النيران من كل حدب وصوب لتجريدها من قوتها وإمكانياتها بالصمود والتصدي والدفاع عن مكتسباتها، وفي أولوية ذلك زيادة الهوة بين الطبقة العاملة والنقابات من خلال سحب البساط من تحت أقدام النقابيين وتجريدهم من مسؤولياتهم الأساسية التي تمكنهم عرفاً وقانوناً من الدفاع عن قطاع الدولة وعن الطبقة العاملة في مقدمة ذلك ما جاء في تعديلات القانون (91) وخاصة العقد شريعة المتعاقدين، وغيره من التأمين وقراراته.

 

إن المطلوب الآن من النقابات الكثير ولديها المسؤوليات الكبيرة التي تتطلب في المقدمة منها أن تتوجه إلى الطبقة العاملة  لاستنهاضها وتعبئتها بروح الدفاع عن قطاع الدولة وعن مصالحها باستخدام كل الامكانات المتوفرة وهي كثيرة وعلى رأسها حق الاضراب  والاعتصام وحق التعبير عن مصالحها دون وصاية من أحد.