عادل ياسين عادل ياسين

بصراحة رئيس الوزارة يصرح...

(ثلاثة ملايين عاطل عن العمل سيتم تشغيلهم) ؟؟! هذا ما قاله مؤخراً رئيس الوزراء..

ورشات... زيارات.. جولات، ولقاءات، جميعها مكرسة للبحث والتمحيص فيما آل إليه الوضع العام في البلاد اقتصادياً واجتماعياً، والمراقب لكل خلايا العمل الحكومية وغيرها التي تجول وتصول، وتصدر القرارات والتوجيهات.

إن نتائج عملها تبقى فقط على الورق الذي يستخدم للأخبار عن عمل تلك الورشات دون أن يلمس المواطن نتائج فعلية على الأرض تنعكس على وضعه الحياتي والمعيشي إيجاباً أي أن الحكومة وعملها في واد، والعباد والبلاد في واد آخر، ينتظر فرج الله ورحمته، وقرارات الحكومة في حل مشاكلهم المستعصية ومنها: البطالة، الأجور، غلاء الأسعار، السكن، التعليم، الطبابة، المواصلات...إلخ.

ولكن وهنا بيت القصيد، فقد استبشر شعبنا خيراً، وخاصة العاطلين منهم عن العمل بما صرح به رئيس الوزراء في لقاء طرطوس، حيث صرح عن نية الحكومة إنشاء (20) مدينة صناعية وسكنية تستوعب هذه المدن العشرين ثلاثة ملايين عاطل عن العمل، وإذا ما تم ذلك، فإن مشاكل البطالة في بلدنا سوف يقضى عليها قضاءاً مبرماً، وسوف نبحث في المستقبل عن عاطل عن العمل بالسراج والفتية كما يقال، فلا نجده.

ولكن السؤال الذي يفرض نفسه إزاء ذلك (هل المعطيات الاقتصادية والمؤشرات التي تظهر كل يوم تدلل على إمكانية استيعاب هذا الرقم الكبير من العاطلين عن العمل!!، خاصة وإن جميع الحكومات السابقة منذ أكثر من عشرين عاماً تعد المواطنين في بياناتها الوزارية على إنهاء ظاهرة البطالة أو تخفيضها ما أمكن من خلال الأرقام التي تطرحها، ولكن الذي جرى أن البطالة تفاقمت وكل عام تزداد أكثر في ظل توقف الدولة عن الاستثمار الواسع والتوسع في قطاع الدولة وضعف استثمار القطاع الخاص.

هذا أولاً وثانياً هل يمكن إنجاز هذه المهمة الوطنية الكبرى من خلال ما صرح عنه رئيس الوزارة بالاعتماد الأساسي على إمكانية الاستثمارات المحلية والأجنبية التي سوف تأتي إلينا بملياراتها، وتساهم في امتصاص البطالة تلك.

إن حجم الاستثمارات الذي تراهن عليه الحكومة من أجل إخراج اقتصادنا الوطني من ورطته، أي تحقيق نسب نمو مقدارها الوسطي السنوي 5% كما صرح د. عبد الله الدردري في لقائه مع النقابات لتصل إلى 7% في نهاية الخطة الخمسية العاشرة.

إن هذه النسب المتواضعة التي وضعت لن تحقق ما يحتاجه الوطن من تنمية ولن يحقق ما يحتاجه الشعب السوري من متطلبات حياتية ومعاشية، وذلك لسبب بسيط جداً وهو أن آلية النهب ومرتكزاته الكبرى تأكل الأخضر واليابس ولن تترك فرصة لأي تنمية حقيقية أو نمو حقيقي، بل ستولد مزيداً من الفقر والحرمان للطبقات الشعبية الفقيرة وستولد مزيداً من البطالة وستعزز أكثر جيش المهمشين والعاطلين عن العمل.

إن رهانات الحكومة على إمكانية الرأسمال الأجنبي والاستثمارات الأجنبية في تحقيق برنامج الإصلاح الاقتصادي وفي تحقيق صيغة اقتصاد السوق الاجتماعي كما قال د. الدردري ستكون في مهب الريح، خاصة وإن الرأسمال الوافد لا بد من فرض شروطه الاقتصادية وحتى السياسية أيضاً التي تحقق وتؤمن استمرارية في ربحيته العالية، وتأمين شروط نهبه لاقتصادنا الوطني، والتجربة التي نمر به منذ إعلان قانون الاستثمار رقم (10)، وكل التسهيلات الاستثمارية الأخرى والتي من خلالها طمأنت الحكومة المستثمرين على استثماراتهم، رغم كل ذلك فإن حجم الاستثمارات ضعيف وضعيف جداً، وتركز معظمه في قطاع النقل والفنادق والتي تعطي عائدية كبيرة ودوران سريع للرأسمال وعمالة قليلة لا تسبب لها إشكالات كبيرة مع النقابات، خاصة وأن الاستثمار على القانون (10) لا يخضع عماله لقوانين العمل السورية ومنها المرسوم (49) الخاص بقضايا تسريح العمال.

إن قوى السوق والسوء من خلال مراكزها الداخلية وعلاقاتها الخارجية تدفع باتجاه إلغاء دور الدولة الفعلي الاقتصادي والاجتماعي إلى دور مراقب إلى دور شرطي سير ينظم عمليات المرور المختلفة لتلك القوى التي هي مرتكزات حقيقية لأي عدوان خارجي ولأي ضغوط خارجية تقع على وطننا.

 

إن الحل الحقيقي لهذه القضية الوطنية يبدأ بمواجهة مراكز الفساد الكبرى التي تنهب الدولة والشعب معاً، والتي يمكن من خلال اجتثاثها تأمين التمويل الضروري واللازم للقيام بالاستثمارات في المجالات الصناعية والزراعية والبشرية المختلفة، وبالتعاون مع القطاع الخاص المنتج الوطني، كل ذلك مجتمع سيؤمن تطوراً اقتصادياً حقيقياً وسيؤمن نسب نمو حقيقية خلال فترة زمنية قياسية يستطيع استيعاب التطورات الناشئة في مجتمعنا وتؤمن كذلك إمكانية الصمود والمواجهة ضدأي عدوان خارجي أو داخلي، وكذلك تلبي حاجات الشعب الفعلية من عمل، سكن، طبابة، تعليم، مستوى معيشة، إن خطوات في ذلك الاتجاه ستعلب دوراً مهماً في تعزيز الوحدة الوطنية وستنزع القنابل الموقوتة والمزروعة في جسدنا، والتي يمكن أن تنفجر في أية لحظة، مما يسهل مهمة الأعداء الداخلين والخارجين في استكمال عدوانهم.