نزار عادلة نزار عادلة

بين رؤية الحركة النقابية والرؤية الحكومية: ماذا يجري على أرض الواقع؟

أبرز ما يتضمنه جدول أعمال المجلس العام للاتحاد العام لنقابات العمال الذي يعقد في الخامس والعشرين من الشهر الحالي، مناقشة رؤية الاتحاد العام للإصلاح الاقتصادي والتي تضمنها التقرير الاقتصادي للمجلس العام بدورته الخامسة، وسبق للاتحاد العام طرح هذه الرؤية في مؤتمره الـ /25/ عام 2007 وملخص هذه الرؤية:

 

• العودة إلى الاستثمار العام في جميع القطاعات الاقتصادية رأسياً وعمودياً، ومعالجة المشكلات التي يعاني منها هذا القطاع معالجة جذرية.
• إعادة توزيع الدخل لمصلحة الطبقات الفقيرة بما يؤدي إلى تحسين دخول هذه الطبقات، والتقليص من الفوارق الطبقية، ومكافحة الفقر بشكل جذري وتعزيز نظام الدعم.
• البحث الجدي في إيجاد الطرق الكفيلة بمعالجة مشكلة البطالة.
• إطلاق إمكانيات كل القوى الاقتصادية في سورية، سواء العامة أو الخاصة، وحل المشكلات التي يعاني منها القطاع الخاص والعام، وتحسين البيئة الاستثمارية.
• التطبيق الجدي والحازم لنظام ضريبي عادل يحد من تركز الثروة، أخذين بعين الاعتبار أن من أهم مبادئ اقتصاد السوق في هذا الشأن أن من يربح أكثر يدفع ضريبة أكثر.
• تحقيق تكافؤ الفرص بين جميع الفعاليات الاقتصادية بعيداً عن الاحتكار والغش.
• إشاعة مناخات المنافسة الشريفة والعادلة بين القطاعات، ومنع الاحتكار والقضاء على الفساد.

ويؤكد اتحاد العمال بأن هذه البنود تحتاج إلى ترجمة حقيقية تنعكس في برامج عملية، لابد من أن يلمس المواطن نتائجها على مستوى معيشته وعلى علاقاته اليومية مع أجهزة الدولة، وإن من متطلبات نجاح تطبيق اقتصاد السوق الاجتماعي. تبني برنامج إصلاحي شامل، ومن ذلك الإدارة الاقتصادية وإلغاء القرارات البيروقراطية التي تعيق صنع القرار في القطاع العام. والاتجاه نحو الشفافية، وإتباع أسس عملية وموضوعية في التعيين في الوظائف العامة، والالتزام بمصالح الوطن. والمحاسبة على أساس الكفاءة والأداء والشعور بالمسؤولية والغيرية على الوطن.

ويطالب الاتحاد العام في رؤيته بتفعيل دور النقابات بما ينسجم مع متطلبات المرحلة الانتقالية.

ما جرى على أرض الواقع خلال الأعوام الماضية بحاجة إلى وقفة مراجعة للحال التي وصل إليها الاقتصاد، أو إلى عقد ندوة أو مؤتمر وطني يضم كافة الفعاليات السياسية والنقابية.

وقد عقدت جلسة حوارية بدعوة من الجمعية العربية للبحوث الاقتصادية في الشهر السابع من العام الحالي، قدم فيها  د.قدري جميل ملخصاً للانعكاسات الاقتصادية والاجتماعية: «الأمور تقاس بنتائجها وليس بشعاراتها، وإن السياسة الاقتصادية المطبقة في سورية والتي مضى على البدء فيها الكثير، لم تحقق شيئاً من شعاراتها، ولنأخذ الفقر والبطالة والنمو... فقد كانت معدلات الفقر في سورية وفق تقرير الأمم المتحدة مع بداية الخطة العاشرة /11%/ من السكان في الحد الأدنى وفي الحد الأعلى /30%/، واليوم وصلنا إلى /14%/ كحد أدنى، والأعلى أصبح /44%/، وكان نصيب قطاع المال من النمو /30%/، ولكن قطاع الإنتاج السلعي كان نموه سالباً وهذا يزيد نسب التضخم... في سورية نموذج مشوه عن اقتصاد السوق والدليل هو الفساد الذي يعد أجلى أشكال اقتصاد السوق المشوه، إذ يجري التحكم بالعرض والطلب بشكل مصطنع لتأمين أرباح أولئك الموجودين في المواقع التي تسهل لهم الحصول على امتيازات».

ومن النتائج أيضاً تراجع الإنفاق الاستثماري عاماً بعد عام، ويعني هذا تراجع الدور التنموي للدولة، وقد أدى ذلك إلى عدم إمكانية توليد فرص عمل في القطاع العام، في حين بقي القطاع الخاص عاجزاً عن ردم الفجوة الاستثمارية.

تحرير التجارة خلق تحديات وصعوبات للقطاعين العام والخاص بسبب المنافسة والتي كانت حاسمة في العديد من القطاعات، وقد أدى ذلك إلى إغلاق مؤسسات إنتاجية عديدة، الأمر الذي فاقم البطالة، وهذا ما تريده الفئات الطفيلية التي اغتنت من القطاع العام، لذلك فقد تضاعفت ثرواتها مئات المرات من خلال السمسرة ومكاتب الاستيراد والتصدير والوساطة والدعارة والاستثمار العقاري.

هذا فضلاً عن تراجع الإنفاق على التعليم والصحة وتحرير أسعار السلع الأساسية (النفط وحوامل الطاقة، والتهرب الضريبي من  السماسرة وتجار العقارات، مما شجع هذه الفئات على نهب المجتمع، وقد انعكس هذا سلباً على مجمل الاقتصاد الوطني، إضافة إلى الإعفاءات الضريبية تحت يافطة تشجيع الاستثمار، وقد قلص ذلك من إمكانية الدولة في الحصول على الموارد الكافية لتمويل إنفاقها الاجتماعي، هذا إذا كانت جادة في هذا المجال.

وحول إعادة تأهيل القطاع العام، يبدو أن الحكومة كانت جادة في هذا المجال حيث قدم اتحاد العمال ووزير الصناعة عدة مشاريع لإصلاح القطاع العام، ورفضت كافة المشاريع، وتعرض القطاع العام إلى اتهامات من الفريق الاقتصادي في الحكومة بالخسارة وانخفاض الربحية والإنتاجية إلى أن اتخذت قرارات حكومية بتصفية /17/ شركة إنتاجية، والفريق الحكومي الاقتصادي ينتظر الشركات الأخرى لتصل إلى الخسارة ومن ثم يصفيها ولكن دون خصخصة، وقد قال تقرير اتحاد العمال في مؤتمره الـ /25/: «يمكن القول بأن التخلي عن القطاع العام أو افتعال العقبات في وجه تطويره تؤدي إلى تفكيك القواعد التي يستند إليها النظام السياسي في سورية».

هذه العبارة لم تلفت نظر الحكومة على ما يبدو، أو تم تجاهلها، لذلك استمرت سياسة تفكيك القطاع العام، وقد رافق هذا التفكيك طرح المؤسسات الإنتاجية الرابحة على الاستثمار والمشاركة تحت يافطة التطوير كالمرافئ السورية والأسمنت وغيرها.

وفي مجال الإصلاح الإداري ورصد الفساد عقدت ندوات وصدرت تصريحات ومازالت تصدر، وقد رافق ذلك تفاقم في الفساد وخلل إداري في أكثر المؤسسات.

هذه الوقائع وغيرها تتطلب من الحركة النقابية أن تلعب دوراً أكبر في التأثير على مسار التحولات الاقتصادية في سورية لضمان مصالح الطبقة التي تمثلها والتي تشكل غالبية الشعب السوري.

يمكننا بعد كل هذا أن نقول بأن رؤية الحركة النقابية للإصلاح الاقتصادي ولاقتصاد السوق الاجتماعي تختلف شكلاً ومضموناً عن رؤية الحكومة. وقد قطعت السياسة الاقتصادية شوطاً كبيراً في المضي في الاقتصاد الحر ولكن تم إهمال الجوانب الاجتماعية، وضرب مكاسب عديدة تحققت خلال سنوات سابقة، وتجري محاولات أخرى لضرب ما تبقى من خلال تعديل قانون العمل في القطاع الخاص لمصلحة أصحاب رؤوس الأموال، ومن خلال تعديل قانون التأمينات الاجتماعية، ومن خلال التوجه نحو إلغاء ما تبقى من دعم!!