عمال القطاع الخاص يتحدثون لـ«قاسيون»عن شجونهم: حقوقنا ضائعة.. أجورنا هزيلة.. ولا أحد يكترث لحالنا!

القطاع الخاص.. وما أدراك ما القطاع الخاص، عشرات الألوف من العمال يعملون دون أي سند قانوني بأيديهم يحفظ لهم حقوقهم وكرامتهم، تطبق عليهم جميع بنود قانون العاملين الموحد المتعلقة حصراً بالواجبات والعقوبات ولا يحق لهم بالمقابل أي شيء يمكن وصفه بالمزايا أو المكتسبات!!
استقالات مسبقة.. تواطؤ بين رب العمل وموظفي التأمينات الاجتماعية.. تعويضات في خبر كان.. طبابة وإجازات معدومة.. ساعات عمل طويلة لقاء أجر زهيد جداً... وشجون أخرى لا حصر لها.. فماذا يقول عمال القطاع الخاص في كل تلك القضايا  وما الذي أتحفوا به الاستطلاع الذي أجرته «قاسيون»؟؟

* سعاد ع. تقول: إن المشكلة الكبرى في القطاع الخاص أن الكل ينظر إلينا نظرة دونية وكأننا سلعة.. أنا لم ألجأ إلى هذا القطاع إلا مضطرة وبعد طول صبر وعناء.. دفعتني لذلك الأوضاع المعيشية السيئة وغلاء المعيشة، فتركت دراستي لأساعد أهلي، ولكن هيهات.. فالراتب الذي أتقاضاه لا يكفي لشراء علبة عطر كالتي تتعطر بها واحدة من بنات أحد المسؤولين، ظروف عملنا صعبة جداً، ساعات عمل طويلة من دون مقابل مجز، تعلمنا في مدارسنا أن العمال في كل أنحاء العالم استطاعوا بنضالهم تحديد ساعات العمل بثماني ساعات، ونحن مازلنا نعمل أكثر من عشر ساعات.. ورب العمل غير راض عنا وإذا تكلمنا أو طالبنا بشيء فقرار الفصل جاهز.

* الأستاذ موفق ب. يعمل موظفاً في القطاع الخاص التعليمي، يقول: معظم المعاهد والمدارس الخاصة التي أصبح تعدادها بالمئات لا تعطي أية تأمينات أو تعويضات صحية. إننا نعمل ونأخذ مقابلاً على عدد الساعات الدراسية بالحدود الدنيا، أنا طالبت في إحدى المرات بالتأمينات ولكن لم أفلح بسبب الروتين وليقيني بأن ما يجري خلف الكواليس في مؤسسة التأمينات الاجتماعية معقد جداً، وأن للمؤسسة (مئة فوتة وفوتة) وهي لم تعمل يوماً لصالح العمال، بل هدفها أكل حق العمال. ويسأل السيد موفق باستغراب: الدولة وضعت ملايين الليرات في إنشاء المدارس العامة وبعضها يتألف من أربعين أو خمسين شعبة، فكيف لا يكون بإمكانها لعب دور معهد مؤلف من أربع شعب وبناء عادي؟؟؟ من المستفيد في كل هذه العملية؟ إن المستفيد الأول هو أصحاب هذه المعاهد الذين استطاعوا بفعل الرشوة الدورية التحكم بمراقبي الوزارة ومؤسسة التأمينات الاجتماعية معاً، هذا هو حال المؤسسات التعليمية في القطاع الخاص!!
لإغناء الموضوع  قابلنا عدداً من العمال الذين يعملون في القطاع المشترك الذي لم يكن أقل اضطهاداً من سابقه.. والغريب في الأمر مشاركة القطاع المشترك (مجموعة فنادق الشام) للقطاع الخاص في اضطهاد العمال، فعند الاستخدام يتم التوقيع على الاستقالة مسبقاً، وبالتالي فإن الطرد من العمل يتم في أية لحظة طبقاً لمزاج رب العمل.. وهناك عشرات الأمثلة عن عمال فقدوا عملهم نتيجة هذه المزاجية!

* يقول أ.س. طردت من عملي منذ أكثر من سنة نتيجة هذا الصك بعد أن طلب مني القيام بأعمال لا تمت لعملي بصلة.

* أما ع.د فيقول: ما جعلني أصبر على هذا الراتب الضئيل هو الحاجة والوضع المعيشي الصعب، إنهم يبتلعون الأخضر واليابس، ونحن ننام دون عشاء، فأنا مُعرض بأية لحظة للطرد من العمل، ولكن ليس باليد حيلة، نحن نعمل تحت رحمة صاحب العمل ومتى يشاء نصبح بلا عمل.
توجهنا إلى إحدى شركات القطاع الخاص والتقينا مجموعة من العمال بشكل سريع، وكانت النتيجة أن ثلثهم لم يسمع عن شيء اسمه (التأمينات الاجتماعية)!!.

* العاملة ل.ح. قالت بغضب: ليس هناك أية مقارنة بين القطاع العام والقطاع الخاص، فهنا الكل مهدد بالطرد والفصل أية لحظة، فالآلة التي نعمل عليها هي أهم وأغلى منا نحن البشر. تقاطعها الحديث العاملة ش.م فتقول: إذا كان قطع الإصبع عند رب العمل يعتبر حادثة عرضية، أو سقوط إحدى العاملات من على الرافعة لا تستوجب طبابة مجانية فماذا إذا تبقى لنا من حقوقً.
لا توجد إجازات مهما كان نوعها، التعويض (العوض بسلامتك)، والمشكلة أن جميع العمال في أنحاء العالم يتفقون على أهداف محددة إلا عندنا، فكل واحد يريد إثبات ذاته أمام المعلم حتى يعطيه أكثر.

* خ.ع تقول: أنا من القليلات هنا اللواتي يحملن الشهادة الثانوية، أرباب العمل يحسبون للمتعلمين ألف حساب.. تصور أنهم ينهوننا منذ اليوم الأول في العمل عن إعطاء أية معلومة للصحافة أو لمؤسسة التأمينات الاجتماعية أو أي شخص غريب دون علم رب العمل.. مع أنني على يقين بأن سياسة الرشوة تفعل فعلها عند قدوم أي موظف من التأمينات، حتى أن الترتيبات تحضر لها سلفاً لأن هناك أشخاصاً في المؤسسة يعطون إنذاراً لرب العمل قبل التفتيش، لتبقى في النهاية ملفات العمال ومشاكلهم في الدروج المغلقة.. والجميع يعلم بمجرد سماع ضحكات موظف التأمين المجلجلة أنه قد قبض المعلوم.
شركات النقل السياحية (التورزات) والتي أنشئت بعد صدور قانون الاستثمار رقم (10) ليست أحسن حالاً، بل إن وضع العاملين فيها أسوأ من السيئ كما تشير معظم المشاهدات والتعليقات التي أطلقها أصحاب العلاقة.

* فيصل ي. يقول: بعد سبعة عشر عاماً من العمل كسائق على خطوط البولمان إثر صدور قانون الاستثمار رقم (10) من خلال عملي مع سبع شركات أؤكد لكم أنها في الحقيقة وجوه متعددة لعملة واحدة سواء من حيث الاستغلال المتواصل أو من حيث ساعات العمل الطويلة أو من حيث كرامة العامل.. مع أن مهمتنا خطيرة وشاقة جداً خصوصاً مع هذه الطرقات التي لا تصلح حتى كطرق ثانوية بين قرى الريف السوري النائية، مما يزيد من حوادث الطرق اليومية التي يذهب ضحيتها العشرات..لا يوجد أي ضمان للسائق الذي يقع ضحية هذه الحوادث وغالباً ما يصاب بالعجز أو يذهب إلى السجن. أما التأمينات فلا تعطي سوى القليل لحفظ ماء الوجه، لا يوجد عطل، لا توجد إجازات.. كل يوم نحن نراوح بين الحياة والموت.. وليس باليد حيلة.. كل هذا من أجل لقمة عيشنا وعيش أولادنا، وللعلم، فقد وقعنا على استقالاتنا قبل المباشرة بالعمل، فتصور أنك تعمل بشركة وليس لديك أي وجود رسمي فيها، والتعويضات (خليها على ربك).. ليس لدينا أمل في تحسين أوضاعنا في الوقت الحالي، فالجميع شعارهم أصبح «امشي الحيط الحيط وقول يا ربي السترة»!.

دور النقابات؟

يبدو أن هناك ما يشبه التواطؤ بين بعض المتخاذلين في اللجان النقابية في بعض المنشآت وبين أرباب العمل الذين يستقوون على العامل، وبالتالي تصبح مهمة هذه اللجان تأديبية لمن يخرج عن الموالاة لرب العمل، وبذلك فشعار الجميع هو: الولاء قبل الأداء، والخاسر الوحيد في هذه العملية هو العامل الذي يفقد مكاسبه التي جاءت نتيجة نضال الحركة النقابية طوال عقود..
توجهنا بالسؤال لأحد النقابيين (فضل عدم ذكر اسمه) في إحدى المؤسسات الخاصة عن طبيعة دور اللجان النقابية فضرب لنا المثال التالي: في إحدى المرات اتصل بي رب العمل في الساعة الثانية عشر ليلاً وطلب مني المجيء إلى العمل مبكراً لحضور اجتماع (تحديد) اللجنة النقابية، وبالفعل تشكلت اللجنة وأرسلت إلى الاتحاد كنقابة منتخبة بجدول عمل نظامي، والحقيقة لا العمال اجتمعوا ولا الانتخابات حصلت، وأصبحت هذه المجموعة (النقابية) تتحدث باسم العاملين، وهي في الحقيقة لا تمثل سوى رب العمل دون سواه و(ما حدا لحدا).

* أما أبو خالد وهو أحد العمال البسطاء في إحدى المؤسسات الصناعية فيقول: طُلب مني إحضار بعض الأوراق من صور شخصية وغيرها، وبعد ذلك تفاجأت بأنهم يودون تسجيل اسمي كنقابي، وعندما سألتهم أنني لا أعرف أن أتحدث في المناسبات والمؤتمرات التي قد تتطلب ذلك، قالوا لي: «اسكت! كل شيء علينا»، وعندما جاوبتهم ولبيت طلبهم كان فكري بأنني سأستلم بعض الهدايا والطناجر كبطل إنتاج. قالوا لي: «لا يهمك ستصبح بطل إنتاج وتأخذ طناجر، ولكن المهم أن تسجل نفسك كنقابي وعلى كل حال أنت اسمك منزل من فوق وليس من عندنا»!!.
هذا غيض من فيض مما يعانيه العمال، ولعل القادم أفظع، وما الإضرابات التي حدثت وتحدث بين الحين والآخر إلا دليل على ذلك، ومن هنا نقول إنه لابد من استعادة النقابات والعمال لدورهم الطبيعي كقوة رئيسية ومؤثرة في البلاد، حتى تصبح كرامة الوطن والمواطن فوق أي اعتبار.