هل بقي أكثر من هذا؟

هل بقي أكثر من هذا؟

كانت ومازالت مهنة الحمل  والعتالة هي مهنة كما يقال عنها بالعامية «شغلة اللي مالو شغلة» فهي الملجأ الوحيد للعاطلين عن العمل لتأمين رزقهم وإعالة عيالهم، على الرغم من الظلم والإجحاف الذي يناله من يعمل بهذا العمل.

كما أنها مهنة لا تحتاج إلا لما يبيعه العامل من قوته العضلية، بالإضافة إلى أن هذا العتال، بما يبذله من جهد قاسٍ، هو عرضة أكثر من غيره للمخاطر والإصابات. 

عمال العتالة في القامشلي 

مع تزايد أعداد النازحين من مناطق مختلفة إلى الحسكة والقامشلي، بدأت مشكلة انخفاض الأجور للعمال بالتفاقم أكثر، فزيادة العرض في اليد العاملة دفعت معظم التجار وأصحاب الورش لانتقاء العمال الأقل أجراً، وبرزت هذه المشكلة بشكل أكبر في قطاع العِتالة كونها لا تحتاج إلا للقوة البدنية، ما دفع معظم النازحين لامتهانها، فهؤلاء العمال يتقاضون أجراً عن كل طن يحملونه 200 ليرة سورية، والعامل النشيط منهم والذي يمتلك قوة بدنيه جيدة يأخذ أجراً مقداره 500 ليرة عن كل طن يقوم بتحميله، ويعمل هؤلاء العمال بشريعة المتعهد، حيث أن الكثير منهم يظل يعمل في إحدى الشركات أو المنشآت لشهور أو سنين وعلاقته المباشرة مع هذا المتعهد، وإن تجرأ وطالب المتعهد بزيادة أجره بكل بساطة يكون مصيره الطرد.

المساواة بين المرأة والرجل!

في مدينة الحسكة طُبق هذا الشعار بحذافيره، وأصبحت بعض النساء تعملن كما الرجل في أعمال الحمل والعتالة وتوضيب مواد البناء، ليس ليطالبن بحقوقهن بل لأن الحرب استنزفت ما يملكنه كله، فبعض من فقدن أزواجهن في الحرب وبيوتهن والكثير منهنّ كنّ يمتلكن هنّ وأسرهنّ قطعة أرض صغيرة يعيشوا من رزقها، واليوم أصبحن مجبرات على القبول بأي عمل لتأمين لقمة العيش، فتجد في بعض هذه الورش أم وبناتها يعملن مقابل خمسمائة ليرة سورية في اليوم، وأخرى تعمل لإعالة أسرتها لأنها هي الشخص الوحيد القادر على العمل، مع ما يحمله هذا العمل كله من مخاطر عليهن صحياً، وعلى أجسادهن التي لا تستطيع تحمل ما قد ينجم عن هكذا أعمال،  كـالإصابات التي تأتي بالعمود الفقري وبعاهات جزئية أو كلية، التي قد تخلفها على أجسادهن أعمال الحمل والعتالة، فضلا عن الأمراض الداخلية كالقلب والفتوق.

لا قانون ولا حقوق

من اللافت أن هؤلاء العمال  الذين يعملون في العتالة بالقطاع الخاص ولا تطبق عليهم أي من القوانين العمالية، والأغلبية الساحقة منهم غير مسجلين في نقابة عمال الحمل والعتالة، كما هم غير مسجلين في التأمينات الاجتماعية، والقانون الوحيد الذي يطبق عليهم هو قانون المتعهد الذي يأخذ من الشركات الخاصة والعامة أعمال الحمل والعتالة، ويأتي بهؤلاء العمال ويوزع عليهم الأجر بالطريقة التي تناسبه، ولا يعطي العتال سوى الفتات، وأجورهم إما يومية أو على السيارة، ويكون الأجر حسب حجم حمولة السيارة، بينما يأخذ هذا المتعهد الألوف من الشركات كل يوم.