انعدام السلامة المهنية.. إلى متى؟

يعاني الأغلبية الساحقة من العمال الذين تقتضي ظروف عملهم البقاء لمدة طويلة في العراء أو في مواقع غير آمنة، من انعدام الإجراءات والتدابير الوقائية التي تخفف عنهم الحر في الصيف كما البرد في الشتاء، وتمنع تعرضهم لحوادث خطيرة أو لأمراض مهنية قد تكون مميتة في بعض الأحيان. فأين هي تدابير السلامة المهنية التي يقرها القانون وتضمنها جميع المواثيق العمالية المحلية والعربية والدولية؟

إن المتابع لظروف عمال البناء، على سبيل المثال لا الحصر، سواء في القطاع العام أو في القطاع الخاص، يكتشف أن أولئك العمال لا يحصلون على الحد الأدنى من المعدات، ولا تتوفر لهم المناخات والإجراءات الكفيلة بدفع الأخطار الجسيمة التي يمكن أن يتعرضوا لها نتيجة عملهم الشاق، وكم سمعنا عن حوادث مؤسفة جرت لنجاري البيتون والطيانين والدهانين وغيرهم.. فبعضهم يسقط من أماكن مرتفعة وبعضهم الآخر يتعرض لضربات الشمس في الصيف، ولنزلات البرد الحادة في الشتاء، دون أن يكون هناك أي تدابير وقائية حقيقة أو تعويضات مناسبة تخفف عنهم مصابهم.

وكذلك هو الحال بالنسبة إلى عمال الطوارئ من كهربائيين وإطفائيين وغيرهم من الذين يواجهون الخطر يومياً، وتقتضي طبيعة عملهم أن تتخذ إجراءات شديدة الصرامة والجدية لحمايتهم وتعويضهم في حال التعرض لمكروه.

وما ينطبق على عمال البناء والطوارئ، يمكن أن يطال عمال البلديات بمختلف مهنهم ومهامهم الذين تمثل الشوارع مسرح عملهم اليومي، ومع ذلك لا نجد في معداتهم وأدواتهم وألبستهم ما يدل على أن مسؤوليهم ورؤسائهم يقدرون ما تقتضيه طبيعة هذه الأعمال من رعاية أكبر وتدابير وقائية أشد حرصاً، بما يحفظ لهم حياتهم ويدفع عنهم الحوادث ويخفف من أضرار الإصابات التي قد يواجهونها في أية لحظة.

إن الواقع المؤسف لهؤلاء العمال يتطلب إعادة النظر في السياسات التأمينية التي لا تشمل معظمهم، فمن المجحف بحقهم ألا يتمتعوا كغيرهم من العمال في البلدان المجاورة بتأمين شروط عمل صحية تضمن عدم تعرضهم للحوادث، فبمقارنة بسيطة مع العامل الغربي، أو في لبنان وتركيا والأردن من دول الجوار، نجد هذا الأخير قد توفرت له على الأقل خوذة يرتديها أثناء تأديته لمهامه على أسطح الأبنية أثناء البناء، أو على سلالم الإنقاذ عند تأديته لمهام الإطفاء، والأمثلة كثيرة..

إن العامل السوري (الذي يبذل جهوداً لا تقدر حق تقديرها) بحاجة هو الآخر إلى الشعور بأن عمله لا يشكل في حده الأدنى خطراً على حياته، ناهيك عن ضرورة تقدير المسؤولين لقبوله الاضطراري بالعمل في أسوأ ظروف فقط لأنه يقدر معنى العمل تحت سماء وطنه، في حين نرى الخبراء المستقدمين من الغرب ينعمون بكل ما يلزمهم من معدات غير آبهين بما يتحيف مرؤوسيهم (العمال في القطاع النفطي مثلاً) من أخطار وما يتربص بهم من مرض.

ونؤكد هنا على أنه بات مطلوباً في وقتنا الراهن أكثر من أي وقت سبق، من الحكومة ومن التنظيم النقابي بآن معاً، السعي الجاد من أجل تعزيز ظروف السلامة المهنية لعمال الوطن بما يكفل حقوقهم كعمال يحملون الوطن على أكتافهم صباح مساء، ويجزيهم حقهم كجنود يدفعون الفاقة عن وطنهم، ويصون كرامتهم كمواطنين في وطن كريم.