عادل ياسين عادل ياسين

بصراحة التوافق.. والتباين في المصالح!!

تعددت العناوين الكبيرة والهامة التي طُرحت على طاولة الحوار التي أعلنت قيادة الاتحاد العام لنقابات العمال عقدها مع الحكومة، حيث جرى التباحث في العديد من القضايا الشائكة والعالقة « العمالة المؤقتة، العمالة الفائضة، إصلاح القطاع العام الصناعي، الضمان الصحي للعمال، الوجبة الغذائية، قانون العاملين الأساسي، طبيعة العمل... الخ». وقد كان لهذا الحوار -كما أُعلن- نتائج ملموسة، بعد أن انقطع الحوار طويلاً بين الحكومة والنقابات فيما سبق لعدم وفاء الحكومة بوعودها بتحقيق مطالب العمال، والتي طرحتها قيادة الاتحاد بمذكراتها بعد المؤتمر الخامس والعشرين محددةً إياها بمئتي مطلب عمالي، ثم اختزلتها فيما بعد إلى مطلبين فقط: تثبيت العمال المؤقتين، والضمان الصحي «مراعاةً للظروف» كما قيل!! وقد بررت قيادة الاتحاد عدم حضور الحكومة لاجتماع مجلس الاتحاد العام الأخير، بأن ذلك الاجتماع كان مكرساً لنقاش الوضع الداخلي للنقابات، وأن ما قيل حول عدم دعوة الحكومة لحضوره يعبر عن وجهة نظر أصحاب هذا القول ولا يعبر عن موقف النقابات، وبالتالي فليس هناك من خلاف بين الحكومة والنقابات (لا سمح الله!!!).

إن وجود خلاف يعني وجود تباين في مصالح الطرفين، وعدم وجوده يعني أن المصالح متفقة بين النقابات والحكومة، واتفاق المصالح هذا لابد أن يكون قائماً على أساس أن الحكومة تقوم بما يتوجب عليها تجاه حقوق العمال ومصالحهم. وهكذا، ووفقاً لهذا المنطق، فلابد أن «الوزراء يبذلون قصارى جهدهم، ولا يمكن تحميلهم أكثر من طاقتهم»؟! وأن مطالب العمال تلبى فور أن تشير إليها النقابات، وبالتالي فلا حاجة لعقد مؤتمرات واجتماعات موسعه أو مصغرة لبحث تلك المطالب، فكل شيء «مثل العسل». النقابات تطالب والحكومة تستجيب، ولا حاجة لأن يصرخ النقابيون في وجه الحكومة، وأن يتهموها بشتى التهم التي لا تليق بحكومة مثل حكومتنا تسهر ليل نهار على تحقيق ما يلبي مصالح البلاد والعباد، والعمال هم طبعاً من العباد الذين تلبى مصالحهم بالتمام والكمال، ويحمدون الله على كل هذه النعم قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم!!!!

أما الشركات والمعامل فوضعها على خير ما يرام، بعد أن أوصلتها الحكومة بسياساتها إلى ما وصلت إليه الآن، بحيث عجزت عن تقديم حل ملموس لإصلاحها إصلاحاً حقيقياً يلبي مصالح البلاد والعباد.

فهل سياسة «نفض اليد» التي تتبعها الحكومة تحت حجة أن الشركات خاسرة وإصلاحها يحتاج إلى موارد (وبالتالي إيجاد حلول إصلاحية أخرى لها مثل الاستثمار والشراكة والتأجير) تتوافق مع ضرورة الحفاظ والدفاع عن القطاع العام؟ خاصةً أنه لا يزال يعتبر في عرف النقابات الركيزة الأساسية للتنمية القادرة على حل الأزمات المستعصية، والتي لا نظن أن النقابات تتوافق مع الحكومة حول أسلوب حلها، والدليل على ذلك ما طرحته قيادة الاتحاد في تقريرها الاقتصادي من تشكيك وعدم تصديق للأرقام الحكومية المطروحة حول نسب النمو والتهرب الضريبي وعدد العاطلين عن العمل، وحول الحلول المطروحة من جانب الحكومة؟؟

وبالنسبة للأجور فحدث ولا حرج، حيث أن وفرتها أصابت العمال والفقراء بتخمة أجبرتهم على تصريف أجورهم الفائضة عن حاجتهم بشراء الكماليات، وارتياد المطاعم والمتنزهات، لدرجة أنهم لم يعودوا يكترثون بشريط الأخبار الذي يبثه التلفزيون السوري والذي يعلن فيه عادةً عن صدور منحة، فلا حاجة لهم بالمزيد من النقود لأن الأسعار معتدلة وغير كاوية لهم، وأجورهم دون زيادة قادرة على تأمين الحاجات ما فوق ضرورية لهم في رمضان والعيد وافتتاح المدارس. 

هذا فضلاً عن البطالة، والعمال المؤقتين، وتوقف الشركات، وتأخر أجور العمال، وتقليص متممات الأجر... وكل هذه المنجزات الحكومية الرائعة التي تبرر التوافق بين النقابات والحكومة.

إن ما بين العمال والحكومة من تباعد في المصالح شيء كثير، ولا يمكن تغطية الشمس بغربال، فالتناقض بين الرأسمال والعمل، وبين مصالح العامل ورب العمل (سواءً أكان هذا الأخير هو الدولة أو صاحب منشأة خاصة)، لا يمكن حله إلا بالتوافق والشراكة بين النقابات والعمال في سبيل انتزاع الحقوق وتحقيق المطالب، وأية شراكة أخرى تعني أن مصالح العمال في مهب الريح، وأنها أصبحت عرضة للتسويف والتفريط، وهذا ما لا يتوافق مع ما طرحته النقابات في أدبياتها طوال العقود الماضية وحتى يومنا هذا.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

آخر تعديل على الثلاثاء, 29 تشرين2/نوفمبر 2016 19:11