السياسات الليبرالية والثروة النفطية!!

في كل مرة تُقدم الحكومة على تنفيذ سياساتها الاقتصادية في أي حقل من حقول الاقتصاد الوطني تكون لديها الحجج والمبررات الجاهزة لتمرير ما تريد تمريره، على أساس أنه تلبية لمتطلبات تطوير وتنمية الاقتصاد الوطني، ووفقاً لذلك فإن الاستثمار الأجنبي هو خير من سيلبي تلك السياسات والتوجهات، لأنه يمتلك الموارد والخبرات، وكذلك آليات النهب التي راكمت فيها الشركات الأجنبية خبرتها الطويلة في استثمار وامتصاص دم الشعوب، خلال مئات السنين من عمرها الاستعماري. فالاستعمار المباشر الذي أخرجه شعبنا بفعل مقاومته الباسلة وإرادته الصلبة وحسه الوطني العالي، يدخل الآن عبر منافذ أخرى اقتصادية واجتماعية، ولكنه هذه المرة مسلح بالقوانين والتشريعات التي تتيح له حرية العمل والنهب لثروتنا الوطنية تحت حجج الاستثمار، مع الإدعاء بعدم وجود الموارد المحلية التي تحتاجها عملية الاستثمار الوطنية، والضرورية لتحقيق التنمية المطلوبة، ولمواجهة الأزمات المختلفة التي يتعرض لها شعبنا مثل أزمة البطالة وانخفاض مستوى المعيشة والتعليم والصحة والأجور.

ولعل ما يجري الآن في القطاع النفطي هو خير مثال على تبذير الثروة الوطنية، وخاصةً النفطية منها، من خلال وجود عشرات الشركات الأمريكية والأوروبية التي تستثمر في مجال استكشاف وإنتاج النفط، وهو الدور الذي كانت تقوم به بجدارة شركة النفط الوطنية التي لعبت فيما مضى دوراً مهماً في استثمار النفط وطنياً، مما راكم لديها خبرات كبيرة في مجال الاستكشاف والإنتاج، لكن السياسات الاقتصادية الليبرالية أدت إلى تقليص دورها إلى حد بعيد لمصلحة شركات النهب الإمبريالي، والتي تعمل وفق المثل الشعبي «من دهنه سقي له» أي أنها تقوم بعملياتها الاستكشافية والإنتاجية من خيرات بلدنا وأمواله، وتحقق جراء ذلك أرباحاً هائلة تبلغ مليارات الدولارات، بفضل الشروط التي تعمل على أساسها، ليكون الرابح الوحيد من ذلك هو هذه الشركات وحلفاءها المحليين، ويكون الخاسر الأكبر شعبنا والأجيال القادمة التي ستفقد حصتها من الثروة الوطنية، مما سيهدد مستقبلها الذي تغامر به الآن السياسات الحكومية.

لقد آن الأوان لكي تستنفر كل القوى الوطنية قواها لمواجهة تلك السياسات التدميرية، وعلى رأس تلك القوى الحركة النقابية والطبقة العاملة السورية التي يقع على عاتقها المساهمة في حماية المصلحة الوطنية، ومنها حماية ثروتنا النفطية من النهب والتبديد، وإعادة الاعتبار لشركاتنا الوطنية في استثمار النفط وطنياً، هذا الشعار الذي لم نعد نسمع به، وغُيب عن برنامج الحكومة، لمصلحة اللهاث وراء الرأسمال الأجنبي الذي لن يحقق شيئاً لشعبنا سوى إفقاده كل مقومات التطور والنمو والسيادة الكاملة على ثرواته ومقدراته.

إن ما يجري الآن في حقول النفط لشيء خطير، وهذا ما عكسته مذكرة اللجنة النقابية لعمال حقل الهول المرسلة إلى الاتحاد العام لنقابات العمال واتحاد عمال الحسكة، موضحةً فيها ما يجري في الحقل على أرض الواقع، حيث ورد في المذكرة أنه سيتم إغلاق حقل الهول ونقل عماله وتسليم مبانيه إلى شركة دوبلن الأمريكية وفق عقود استئجار، وأضافت المذكرة: لقد تم نقل /80 عاملاً/ من مشروع الهول إلى شركة دوبلن، والباقي يقومون بتخديم محطة الطرقجي ومحطة كهرباء المزرعة و/3/ محطات غازية، بالإضافة إلى دفاشات المياه والورش الأخرى، وجرى التأكيد على أن حقل الهول وحقل أبو حيدر مازالا حقولاً منتجة، يبلغ أنتاجها ما يعادل 30 % من إنتاج حقول منطقة الجبسة.

وأشارت المذكرة إلى أن الشركة السورية كانت تقوم بعمليات التنقيب والحفر والإنتاج بكفاءة قبل تسليم حقل تشرين غرب + شرق إلى شركة دوبلن، وكان إنتاجها يتزايد باستمرار مع استمرار الحفر في هذه المواقع التي أصبح إنتاجها يبلغ /7000/ برميل يومياً، وبعد تسليم هذا الحقل إلى تلك الشركة تناقص الإنتاج إلى /550/ برميل في نهاية العام 2007.

وتتساءل المذكرة عن سبب الزيادة الكبيرة في الإنتاج والاستكشاف عندما تقوم تلك الشركة الأمريكية بعمليات حفر جديدة في أطراف التراكيب الجيولوجية، حيث تم الحصول على نتائج جيدة، وبلغ متوسط الإنتاج اليومي /17500/ برميل. ويكون الجواب على السؤال السابق: إن لدى هذه الشركة الحرية في العمل مع وجود آليات ومعدات حديثة لا تملكها الشركة السورية، مع العلم أن الشركة السورية تقدم 70 % من قيمة الصرفيات التي تقوم به شركة دوبلن.

وأكدت مذكرة اللجنة النقابية على أن الشركة السورية قادرة على تأمين المعدات والآليات والخبراء، وعلى مسح هذه التراكيب في حال تأمين صرفيات مناسبة لها، تقارب الصرفيات الكبيرة الموفرة لشركة دوبلن ، وبقيمة تقديرية تقل عن المبالغ التي تصرف الآن.

وفي نهاية المذكرة طالبت اللجنة النقابية بعدم بيع المساكن العمالية في الحسكة إلا للعمال، وكذلك أكدت على عدم إنهاء مشروع الهول، وضرورة إعادة الاستكشاف في منطقة أبو حيدر والطرقجي، لأن هذه المواقع تتمتع بتركيبات منتجة لنفط من النوع الخفيف والجيد.

وأخيراً فإننا نقول لكل النقابيين الشرفاء، والعمال المنتجين الحريصين على مصالحهم ومصالح الوطن: نحن معكم في نضالكم من أجل الحفاظ على حق شعبنا في استثمار ثرواته، وفي الدفاع عنها، لكي تكون ثرواتنا لنا... ولنا فقط.

آخر تعديل على الأربعاء, 14 كانون1/ديسمبر 2016 14:29