عادل ياسين عادل ياسين

بصراحة مؤتمر العمل الدولي.. والحريات النقابية

انعقد المؤتمر السابع والتسعون لمنظمة العمل الدولية في ظل تصاعد وتنامي الحركة الإضرابية العمالية في مختلف الدول الرأسمالية، التي كوّنت الطبقة العاملة فيها تقاليد كفاحية عريقة في مواجهة الشركات الرأسمالية الكبرى منذ تشكلها حتى أصبحت عابرة للقارات ومتعددة للجنسيات، حيث أخذت هذه الشركات منذ فترة ليست بالقصيرة نقل مراكزها الإنتاجية إلى بلدان العالم الثالث، كالدول الآسيوية، وبهذه الطريقة تكون قد حققت (هذه الشركات) عدة أهداف في وقت واحد:

أولاً: تسريح أعداد كبيرة من العمال في بلدانها الأصلية للتخلص من المكاسب التي حققوها في مرحلة سابقة، وكذلك من أجورهم المرتفعة.

ثانياً: تفكيك الاتحادات، والنقابات العمالية، وإنشاء اتحادات بديلة تؤمن من خلالها السيطرة المباشرة على حركة الطبقة العاملة.

ثالثاً: الاستفادة من بعض ظروف بلدان العالم الثالث: أجور العمال المنخفضة، ضعف الحريات حيث تضمن أنظمة الحكم في هذه البلدان قمع الحركة العمالية المطالبة بحقوقها.

ولكن رغم النجاح النسبي الذي حققته هذه الشركات في خططها العدوانية على حقوق الطبقة العاملة في بلدانها، والبلدان الأخرى، استطاعت الطبقة العاملة النهوض مرة أخرى لتمارس حقها المشروع في الدفاع عن حقوقها ومطالبها العادلة، وأنشأت بهذا الخصوص نقابات كفاحية لديها المقدرة والعزيمة على قيادة نضالات العمال من خلال حركة إضرابية واسعة تشهدها البلدان الرأسمالية، وكذلك بلدان العالم الثالث، لتشكل هذه الحركة قوة صدامية متقدمة في مواجهة الرأسمالية المتوحشة، وشركاتها، ويأتي هذا في الوقت نفسه الذي تنهض فيه الكثير من الحركات السياسية المناهضة للعولمة ومشاريعها الاستعمارية الساعية إلى شن الحروب، ليتشكل من مجموعها جبهة عالمية مقاومة تدعم نضال شعوبنا، وتدعم نضال الطبقة العاملة في بلداننا.

 وما جرى منذ أشهر عندما انتفضت الطبقة العاملة المصرية بإضراباتها الواسعة التي واجهها النظام المصري بالقمع الوحشي، دليل على عمق التضامن العمالي ووحدة مصير العمال، حيث اندفعت هذه القوى العمالية والنقابية والحركات المناهضة للعولمة لدعم عمال مصر في مواجهة النظام المصري العضو في منظمة العمل الدولية، والموقع على الاتفاقيات الخاصة بالحريات النقابية.

لقد عبرت الطبقة العاملة المصرية بإضراباتها المتواصلة عن دورها الوطني الفاعل في مواجهة السياسات الليبرالية في بيع شركات القطاع العام، وخصخصة مصر لصالح العدو الصهيوني، والإمبريالية الأمريكية من خلال الاستثمارات الواسعة التي جعلت الاقتصاد المصري رهينة في يد الأمريكان، والصهاينة، والتي لم يجن منها الشعب المصري إلا الحرمان والجوع رغم كل ادعاءات النظام، حيث وعد الشعب المصري بالرفاهية، والرخاء، لكن الوعود كانت خلبية.

لقد أكد المؤتمر السابع والتسعون على حماية الحريات النقابية وحقوق الإنسان، وضرورة تطبيق الدول الموقعة على الاتفاقيات الصادرة عن منظمة العمل الدولية لجميع نصوصها التي تراعي أطراف الإنتاج الثلاثة (الحكومات، أرباب العمل، النقابات)، وقد أكدت الوفود المشاركة الممثلة لحكوماتها التزامها بهذه الاتفاقيات، وخاصة فيما يتعلق بحق الطبقة العاملة بالإضراب، وباستقلالية النقابات، ولكن تأكيدهم هذا ما هو إلا تضليل تمارسه هذه المنظمة، وهيئاتها المختلفة على الطبقة العاملة لمنعها من الدفاع عن حقوقها، وما يؤكد هذا القول، أن معظم الدول الموقعة على تلكم الاتفاقيات تمارس قمعاً واضحاً بحق الطبقة العاملة وحركتها النقابية عبر مصادرة حقوقها وحرياتها النقابية كما هي الحال في تونس، والجزائر، والمغرب، ومصر، والدول الآسيوية، وفي البلدان الأوروبية...إلخ.. عبر قيام أصحاب العمل بمصادرة حقوق العمال ، وتخفيض أجورهم، وتسريحهم، دون أن تتخذ المنظمة بحقهم أي إجراء، فأي انسجام هذا الذي عبر عنه المؤتمر بين أطراف الإنتاج الثلاثة؟! إنه انسجام فقط بين الحكومات، وأرباب العمل.

جاء في كلمة رئيس الاتحاد العام لنقابات العمال في سورية أمام المؤتمر (إن الحقوق، والحريات النقابية المكرسة بمعايير العمل الدولية أصبحت جزءاً لا يتجزأ من معايير حقوق الإنسان)، ونرجو أن يتحقق هذا الكلام فعلياً على أرض الواقع في بلدنا، فتجربة الطبقة العاملة في العالم ومنها سورية تؤكد أن العبرة ليس بما يتخذ من قرارات وتوصيات، بل العبرة بما يجري تطبيقه على الأرض، وإلا لما كان هناك عشرات الملايين من العاطلين عن العمل في مختلف بقاع الأرض، ولما كان هناك الملايين من الجياع الآخذين بالازدياد.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

آخر تعديل على الخميس, 18 آب/أغسطس 2016 12:54