نقابيو حمص يقولون كلمتهم: لا للعبث بحقوق العمال.. والإضرار بالاقتصاد الوطني

مازالت أصداء إقرار المادة /65/ من قانون العمل تتوالى، فبعد المشاحنات والسجالات التي شهدها مؤتمر عمال دمشق، هاهم نقابيو حمص يرفعون أصواتهم عالياً في مؤتمرهم، منتقدين ما آلت إليه حال الاقتصاد الوطني في ظل السياسات النيوليبرالية التي يطبقها الفريق الاقتصادي، وما وصلَ إليه الوضع المعيشي للمواطن الذي جاءه إقرار قانون العمل مصيبةً جديدة تزيد سجلَّ مصائبه طولاً وقتامة.

إن ما طرح في مؤتمر حمص يثبت فشل كل الجهود التي بُذلت لتمرير القانون الجديد بهدوء وسلام، ولإسكات كل الأصوات المعارضة له، فموجة الاحتجاج العارم التي سببها القانون لا تقتصر على بعض العناصر «المشاغبة» في النقابات كما ظن البعض بعد مؤتمر اتحاد دمشق، بل هي تعبير عن موقف شعبي عام يشمل جميع أفراد الطبقة العاملة والقطاعات الأوسع من الشعب السوري، وهو موقف لا يمكن لأي قيادي نقابي يملك الحد الأدنى من النزاهة والإخلاص أن يتجاهله، أو أن يتمنع عن التعبير عنه.     

«قاسيون» كانت حاضرة في مؤتمر حمص لترصد من هناك جانباً من موجة الرفض والاحتجاج.

أخطر حكومة هي التي لا تأخذ قراراتها للشارع

  مداخلة نزار العلي (عضو المجلس العام): 

قال رئيس الفريق الاقتصادي عبد الله الدردري في آخر اجتماع لمجلس الاتحاد ما يلي:

إن أخطر حكومة هي التي لا تتخذ قرارات.

إن أخطر حكومة هي التي تتخذ قرارات للشارع.

إن أخطر حكومة هي التي لا تفكر للمستقبل.

ونحن نقول له: إن أخطر حكومة هي التي تتخذ قراراتها ارتجالياً، وترهق نفسها بالخضوع للوصفات الجاهزة وتعليمات  البنك الدولي، فتفقد بذلك ثقة المواطنين، وإن أخطر حكومة هي التي لا تتخذ قراراتها للشارع، فالشارع هو الوطن والوطنية. وإن أخطر حكومة هي التي تفكر لمستقبل يزداد أغنياؤه غنىً وفقراؤه فقراً، وتنعدم فيه الطبقة الوسطى.

علمنا للأسف أن مجلس الشعب ناقش مواد القانون حتى المادة /205/، وقد أقر بالأكثرية المادة /65/ من مشروع القانون، والتي تعتبر الأساس وجوهر القانون المعدل، حيث ألغت هذه المادة المرسوم /49/ لعام 1962 الذي ينصُّ على منع التسريح التعسفي للعامل، فنص المادة التي تم إقرارها يقول: إذا لم يثبت صاحب العمل إحدى المخالفات المنصوص عنها في المادة /64/، فإن إنهاءه لعقد العمل يعد بمثابة التسريح غير المبرر (التعسفي)، وفي هذه الحالة يتم إعطاء العامل راتب شهرين عن كل سنة خدمة، فإذا كان راتب هذا العامل /10.000/ ل.س، وله خدمة عشر سنوات سيعطى مبلغ /200/ ألف ل.س، فهل يكفي هذا المبلغ العامل المسرَّح تعسفياً تأمين لقمة عيش أطفاله لحين تأمين عمل آخر؟!

إن إقرار مجلس الشعب للمادة /65/ من القانون المعدل، وهو المجلس الذي يشغل فيه العمال والفلاحون نسبة  /51%/ من الأعضاء،  يضعنا أمام أشارات استفهام عن دور ممثلي العمال والفلاحين في مجلس الشعب.

إن وزيرة العمل منحازة، بل هي في خندق أصحاب العمل، إنها تدعي بأن القانون هو من أجل تشجيع الاستثمار الصناعي والتجاري، رغم أن آلاف الورش الصغيرة  تعمل على القانون /91/ لعام 1959، وقد حقق أصحابها نجاحات اقتصادية كبرى وأرباحاً طائلة وتوسعت أعمالهم ولم يكن المرسوم /49/ عائقاً في العمل، وما كان عائقاً هو حرمان العمال من حقوقهم وأتعابهم بسبب تهرب أصحاب العمل من التزامات القانون. كان على الوزيرة أن تطالب بحقوق العمال، وأن تراقب القانون وتفرض على أرباب العمل تسجيل عمالهم بالتأمينات ودفع ضرائبهم والتزاماتهم للدولة.

بعد كل هذا يحق لنا أن نطالب بمحاسبة كل من يتلاعب بكرامة المواطن في السلطة التنفيذية.

أما فيما يخص البطالة فالحكومة تقول أنها بين /10 ـ 12%/ وليس لديها إحصائيات دقيقة، ونحن نقول إنها تجاوزت /25%/، وقد تحول المجتمع السوري إلى مجتمع بطالة، فظهرت حالات السرقة والنصب والاحتيال والشذوذ الجنسي وتجارة المخدرات، وبدأت مافيات المال والعصابات تظهر على السطح، وهذا الوضع يشبه الوضع الذي ساد  في الاتحاد السوفيتي قبل انهياره.

أما القطاع العام الصناعي فهو خاضع لإدارة ومزاجية الفريق الحكومي، وقد أصبح حقل تجارب لفكر اقتصادي يدعي التطوير والتحديث. والسؤال لماذا تدخلت الحكومة لحل أزمة شركة «الديري» و«جربوع» وغيرها من شركات القطاع الخاص، ولم تتدخل لحل مشاكل قطاعنا العام الصناعي؟!

نحن في الحركة النقابية نقول إن عمالنا لا يتحملون مسوؤلية وجود جبهات العمل أو عدم وجودها. عاملنا جاهز لكي يقدم جهده وفكره وعرقه.

 نطالب بإعادة الحياة إلى شريان القطاع الإنشائي الذي بنى سورية الحديثة، ونحن نرفض توجيه أصابع الاتهام إلى العمال، واعتبارهم سبب خسارة القطاع العام وفشله، ونحمل السياسة الاقتصادية للحكومات المتعاقبة مسؤولية ذلك.

لماذا لا نستفيد من أزمة اليونان ونسأل أنفسنا: ماذا فعل لها البنك الدولي؟ لقد طلب من الحكومة اليونانية تطبيق سياسة التقشف، فانفجر الشارع اليوناني في وجه حكومته. إنني أحذر من سياسات البنك الدولي وتطبيقها على شعبنا. 

إصلاحُنا وإصلاحُكم!!

  مداخلة نزار ديب (عضو المجلس العام): 

مطالبنا تتكرر من عام إلى عام، وما يهمنا  هو الحفاظ على المكاسب التي حققتها الطبقة العاملة عبر تاريخ نضالها الطويل، وفيما يتعلق بقانون العمل فإن مصلحة العمال هي ما يعنينا فيه، وما يهم أرباب العمل منه هو المواد التي تحفَّظ عليها الاتحاد العام في القانون الجديد، خاصة المادة /62/ وما يليها حتى المادة/66/، إضافة إلى المادة /277/ التي تشكل عودة إلى الوراء في حال إقرارها، وهذا ما يؤكد النية المبيتة لضرب منظومة التشريعات السابقة، بإلغاء المرسوم الخاص والناظم لعملية التسريح وللعلاقة بين أرباب العمل والعمال. والأسوأ من هذا وقوف وزارة العمل بكل قواها مع أرباب العمل، وكأنها تمثلهم، متناسية الشريحة الأوسع في المجتمع السوري، وهي على يقين تام بأن التسريح التعسفي كان يسير على قدم وساق بوجود المرسوم القديم، فكيف هو الحال بغياب هذا المرسوم، وصدور المشروع الجديد الذي يشرعن التسريح التعسفي.

وأياً كان القانون الذي سيصدر فإنه لن يعبر عن مصالح الطبقة العاملة في ظل اختلال موازين القوى، وبالتالي فإن من حق الطبقة العاملة أن تستخدم كل أشكال النضال المشروعة لتعبر عن مصالحها، بما في ذلك حق الإضراب الذي نصت عليه اتفاقيات العمل العربية والدولية التي صادقت سورية عليها.

مع اقتراب انتهاء الخطة الخمسية العاشرة، والتي كان من أهدافها تحقيق النمو وتضييق دائرة البطالة وتخفيض نسبة الفقر، مع ما يرافق ذلك من نمو في حصة الفرد من الناتج الإجمالي، ونمو نسبة الاستثمار في القطاعين العام والخاص. نلاحظ أن سياسة الفريق الاقتصادي أدت إلى انخفاض مستوى معيشة الجماهير الشعبية التي تراجعت قدرتها الشرائية بشكل هائل وملموس خلال الأعوام الماضية، ومازالت الحكومة تعدنا بالنعيم والرفاهية ونحن نرى غير ذلك، فدخلنا لا يتحسن، وعائدات الاستثمارات تمركزت في أيدي فئة قليلة بسبب جعل محرك الاقتصاد هو الاستهلاك في الاستثمار، وجيش العاطلين عن العمل يزداد.

المطلوب وضع سياسة اقتصادية بديلة غير منحازة إلى الطبقات الغنية، وأن تشرك جميع فئات المجتمع في التنمية الحقيقية. والسعي لتحقيق عدالة اجتماعية حقيقية تتحقق بتأمين موارد داخلية مصدرها الأساسي مكافحة الفساد والنهب في الاقتصاد الوطني، ولن يتم ذلك إلا عبر أوسع انفتاح على الشعب المتضرر من النهج الاقتصادي الجاري في البلاد، والذي أضحى وضعه يتطلب إصلاحاً مؤسساتياً عميقاً، ويجب إزالة كل الآثار السلبية للسياسة الاقتصادية الليبرالية في المجالات التشريعية والاقتصادية والاجتماعية، وإعادة النظر بسياسة الأجور بشكل جذري.

لقد أدى تطبيق سياسة الدعم وشروطها التعجيزية إلى توتر كبير في المجتمع، لما فيها من إذلال لجماهير شعبنا، وأدت إلى تململ واحتقان في الشارع السوري، وكان واضحاً أن هذه الطريقة في الدعم مذلة، وشروطها هي رسالة واضحة من واضعيها بأن ما سيحصل عليه البعض على دفعتين متباعدتين، سيصبح حلماً مستحيل التحقيق في المستقبل. 

تنويعاتٌ على نغمة الرّفض

عبد الرزاق العزف (رئيس نقابة عمال الصناعات الغذائية):

يواجه اقتصادنا الوطني اليوم تحديات عديدة، أولها الإصلاح الاقتصادي والإداري، ومكافحة الفقر والبطالة وتحسين مستوى المعيشة. وذلك لا يمكن مواجهته إلا بدعم وتطوير وإصلاح القطاع العام باعتباره الداعم الأساسي لاستقرارنا السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وها نحن نرى اقتصادنا يعاني الأمرين نتيجة غياب الإستراتيجية الواضحة والعلمية التي تحدد مستقبله وتؤمن استمراره وريادته. وإنه لمنظر محزن ومؤلم في الوقت نفسه أن نرى شركات القطاع العام تنهار الواحدة تلو الأخرى ونحن نعزي شعبنا بالخطابات والتنظير والخطط والتباكي على أمجاد هذه الشركات، حتى وصلت الحال بنا إلى أن أصبح عدد الشركات المتوقفة ثماني عشرة شركة من شركات القطاع العام الصناعي. وأمام هذا الواقع الصعب نؤكد تمسكنا بالحفاظ على الصناعة الوطنية والقطاع العام، مع قناعتنا إن الإجراءات التي اتخذتها الحكومة ووزارة الصناعة تحديداً لم ترق إلى المستوى المطلوب. وجميع المبررات التي وضعتها كأسباب لم تقنع أحداً لأنها تجافي الحقيقة. 

حافظ خضر (مكتب نقابة عمال الصحة):

سنبدأ بنقطة هامة تتصدر اليوم القضايا النقابية والعمالية، وتضعنا على مفترق طرق تصعب فيه العودة بعد الخطوة الأولى، وأعني تعديل قانون العمل للقطاع الخاص. ولنتكلم بصراحة وشفافية مطلقة من خلال ما تابعناه من نقاش حول هذا القانون، والسؤال الذي يطرح نفسه: أولاً هل القانون الحالي، أي قبل التعديل، ينقصه شيء؟ وما هي الحاجة إلى تعديله؟ أم أنه لا يتناسب مع أرباب العمل ووزارة العمل؟

مع بداية مناقشة مواد هذا القانون، أبدى اتحادنا العام، وبجدية مطلقة، جملة من التحفظات على مواد هامة، وفي مجلس الشعب أبدى بعض أعضاء مجلس الشعب من خلال مداخلاتهم جملة إضافية من المقترحات على كل مادة تطرح، ومعظم مقترحاتهم إن لم نقل جميعها كانت للحفاظ على مكاسب العمال في القطاع الخاص، ولكن كان لوزارة العمل رأي آخر، إذ أصرت أن مواد القانون هي الأفضل لتحقيق مصلحة العمال ومصلحة أرباب العمل!!

نؤكد على ضرورة إعادة النظر بالمادة /65/، وخاصة في موضوع التسريح غير المبرر وصيانة حقوق العاملين وتوثيق الراتب للعمال والحوافز والتعويضات على جدول الرواتب، وأن يتضمن عقد العمل كافة حقوق ومزايا العمال، وعدم السماح لرب العمل بإضافة أي بند مسبق إن لم يرد له نص في القانون وتوثيق في العقد. 

نزار نسطة (عضو مكتب نقابة الخطوط الحديدية):

من المفروض أن مشروع قانون العمل الجديد في حال إقراره سينظم علاقات العمل بين عمال القطاع الخاص والتعاوني والمشترك وأرباب العمل، والمطلوب من قانون العمل الجديد أن يحفظ الحقوق المكتسبة للعاملين بأجر، وأن توجد آليات قانونية لحمايتهم من أخطار التعسف والتسريح التعسفي ومن إنقاص حقوقهم، وأن لا يكون وسيلة مقوننة لإطلاق العنان والحرية لقوى رأس المال في التعاقد وإنهاء التعاقد، مع تقييد قوة العمل. لكن جوهر فلسفة مشروع قانون العمل الجديد هو مقولة: «العقد شريعة المتعاقدين» وهذا يعني تحرير رأس المال من كل قيوده في علاقات العمل، وعلى حساب العاملين بأجر، ويعني مساً بحقوق عمالية مكتسبة كرستها القوانين الناظمة لعلاقات العمل، ومكتسبات الطبقة العاملة السورية، وخاصة فيما يتعلق بإعطاء الحق المطلق لرب العمل في إنهاء علاقة العمل من طرف واحد لقاء تعويض مادي، أي إطلاق اليد في استعمال الحق في التسريح، وبعبارة أخرى جعل التسريح التعسفي مقونناً وشرعياً، وحقاً مكتسباً بالقانون لرب العمل.

نلاحظ غياب دور الدولة من خلال إقصائها عن دورها في الحياة الاقتصادية، والقضاء على كل أدوات تدخل الدولة، ولاسيما القطاع العام، فإن التحول نحو الخصخصة واقتصاد السوق الحر كان منذ بدايته على حساب الشرائح الفقيرة من عمال وفلاحين وسواهم.

إن من يدعو لإبعاد تدخل الدولة عن الشأن الاقتصادي تحت أي عنوان إنما يدعو للفوضى المنظمة التي تنتعش في مناخها المضاربات وينتشر فيها الفساد والرشوة في غياب سلطة الدولة. 

فراس علي (نقابة عمال الغزل والنسيج):

يقال لنا نحن النقابيين لماذا لا تعملون؟ لماذا لا تأخذون دوركم. ولماذا... لماذا؟

وأعتقد بأن الكثير منا وليس جميعنا يعمل لأجل ذلك، ولكن ما هي النتيجة؟ ولاسيما ما نراه أمامنا وما يحدث لقطاعنا العام، وخاصة الصناعي منه.

نتحدث بشكل خاص عن عدم تطوير وتحديث شركات القطاع العام، وخاصة شركات الغزل والنسيج، هذه الصناعة الإستراتيجية والمهنة العريقة في بلدنا، والتي كان لها الدور الريادي في دعم اقتصادنا الوطني في ظل أصعب الظروف والمحن التي مر بها قطرنا الحبيب...

لقد كان عمال الغزل والنسيج دائماً طليعة المدافعين عن حقوق ومكتسبات الطبقة العاملة، والآن وبعد عقود من العمل المضني والشاق نرى تراجعاً كبيراً وخطيراً لشركات الغزل والنسيج، لا بل وصل الأمر إلى توقيف بعض الشركات ومنها شركة المصابغ.

طالبنا مراراً وتكراراً بتحديث صناعة الغزل والنسيج، وإدارة هذا القطاع على أسس علمية سليمة صحيحة، والاستفادة من أخطاء الماضي بالنسبة للإدارات والجهات الوصائية. فلقد عاث الفساد في هذا القطاع،  في حين كان مسؤولونا وجهاتنا الوصائية ينظرون علينا بضرورة الحفاظ على هذا القطاع، والإقلال من الهدر، وتحسين نوعية الإنتاج وزيادته، ومعاقبة المسيئين، وكأن سبب بلاء وخسارة هذا القطاع هو العامل!!