سلامة العمال  وتطنيش الحكومة
هاشم اليعقوبي هاشم اليعقوبي

سلامة العمال وتطنيش الحكومة

تعتبر الصحة والسلامة المهنية من أهم القضايا التي تشغل بال الطبقة العاملة فالأمراض المهنية وإصابات العمل من أكثر الأمور التي يخشاها العامل

فجاء القانون رقم (92) لعام 1959 وتعديلاته المتتالية ليشكل ضمانا لصحة وسلامة العامل وعجزه وشيخوخته. العمل إذا ما أخذنا تعريف الصحة والسلامة المهنية كما هو وارد في القوانين السورية لوجدنا جوهره يتركز على أن صحة العامل وسلامته تقع على عاتق رب العمل سواء كان في القطاع العام أو القطاع الخاص فالنص الحرفي للتعريف هو الآتي (هي مجموعة الإجراءات المتخذة من قبل رب العمل لحفظ وضمان صحة العامل وحمايته من إصابات العمل والأمراض المهنية في بيئة العمل والبيئة المجاورة) اذاً لم يُحمل القانون العامل أية مسؤولية إن تعرض لمرض مهني أو إصابة عمل شرط أن يكون مسجلا في التأمينات الاجتماعية وتحت مظلتها ومن المعروف بأن التامين على العمال إلزامي وليس مزاجياً أو طوعياً حيث نص القانون على إلزام كل رب عمل مهما كان عدد عماله على تسجيلهم بالتأمينات الاجتماعية ودفعه لنسبة 3% من قيمة أجر العامل لصندوق تأمين إصابات العمل في التأمينات الاجتماعية حيث لا يتحمل العامل دفع أي مبلغ لهذا الصندوق عكس صندوق العجز والوفاة الذي يلزم العامل بدفع 7% ورب العمل 14% وقد أصاب القانون في ذلك فواجب رب العمل تأمين كل الظروف المناسبة لتفادي إصابة العامل بمرض مهني أو إصابة عمل، فكيف ألزم القانون رب العمل بذلك؟

الأمراض والإصابات ووسائل الوقاية لا بد من أخذ كل شق على حدة فالمرض المهني يختلف عن إصابة العمل فبالنسبة للمرض المهني فهو يشرح نفسه من خلال وروده بتعريفه الآتي: (هو كل مرض يصيب العامل في مهنة ما نتيجة التماس المباشر مع ملوثات بيئة العمل ولفترة مديدة ) وبالتالي فقد ألزم القانون رب العمل بأخذ كافة الإجراءات من أجل منع تعرض العامل لملوثات بيئة العمل من خلال إجراءات عديدة تسمى وسائل السيطرة أولها السيطرة الهندسية فلابد أن تتم دراسة علمية لنوع المهنة قبل الإنشاء العمراني والإكساء فلكل مهنة ملوثاتها التي يمكن السيطرة عليها من خلال مكان العمل وإجراءات التهوية والتقسيم والإكساء وتصميم أفران الصهر وإنشاء المداخن ... وإلخ وثانيها السيطرة الإدارية ويعني بذلك هي الإجراءات التي يجب أن تتم من قبل رب العمل وإدارته خلال سير العمل مثلاً توزيع الأقسام ومواكبة التطور العلمي بإجراءات السلامة وتطوير الآلات التي بدأت تؤثر على الصحة والسلامة و...الخ

وآخرها وسائل الوقاية الفردية والتي يجب أن يلجأ رب العمل لتأمينها لكافة العمال المعرضين لأمراض أو إصابات عمل ولكن بعد أن يستوفي الشرطيين الأوليين مثلا على ذلك سماعات الأذنين العازلتين للصوت الأحذية العازلة الخاصة بعمال الكهرباء والخوذ والكمامات ...الخ أما بالنسبة لإصابة العمل فحسب تعريفها( هو كل حدث طارئ يصيب العامل من لحظة خروجه من منزله إلى حين عودته إليه بطريق مستقيم ومهما كانت وسيلة النقل المستخدمة) فأهم ما في القانون المتعلق بإصابة العمل هو ضمان حق العامل أثناء العمل وطوال فترة طريقه ذهابا وايابا كما أنه جاء في القانون 78 فقرة إذا ما ظهر لدى العامل مرض سرطاني ذو منشأ مهني بعد تقاعده لمدة خمس سنوات فهو يعتبر مرضا مهنيا ويحق له تعديل حساب تعويضاته لدى التأمينات الاجتماعية. عمال خارج حسابات الحكومة يبقى السؤال الأهم الذي لا بد من طرحه دائماً: ما مصير ملايين عمال القطاع الخاص المنظم وغير المنظم غير المسجلين في التأمين الإلزامي وكيف ستقوم المؤسسة بإلزام أرباب العمل بوضع عمالهم تحت المظلة التأمينية في البلاد أم لرؤوس الأموال دلال خاص هل يصعب على أي مهتم بقضايا العمال أن يعلم كيف يتعامل أرباب الأعمال مع التأمينات وكيف يكدس عماله في الأقبية أو سقيفة المنشأة ومستودعاتها حين تأتي دورية التأمينات، أليس بالإمكان وضع آليات وبرامج وخطط لهؤلاء العمال، فلو مشى أي وزير من حكومة (عقلنة الدعم ) في الطرقات لشاهد مئات الإعلانات التجارية لمنتجات وطنية تُغرق الأسواق بأصنافها وألوانها فهل سيسأل - سيادته -نفسه إن كان معمل أو منشأة هذا المنتج الفاخر مسجلة أصولا وتدفع الضرائب وهل سيسأل نفسه عن عمالها إن كانوا نقابيين أو مسجلين بالتأمينات كإخوتهم في القطاع العام أم سيكتفي بشراء هذه المنتجات من المول الخمس نجوم المنتصب بالقرب من مجلسه الموقر متغافلا عن عمال يصابون ويمرضون ويعجزون ويموتون دون تأمين وحماية أو تعويض.