كي يبقى القرار الوطني مستقلاً وحقوق الطبقة العاملة مصانة!

كي يبقى القرار الوطني مستقلاً وحقوق الطبقة العاملة مصانة!

الاجتماع النقابي الذي انعقد مؤخراً تحضيراً لانعقاد المؤتمرات النقابية السنوية، طرح عدة قضايا لها أهميتها في هذه الظروف الاستثنائية التي تمر بها كل من الحركة النقابية والطبقة العاملة السورية بسبب السياسات الليبرالية التي تعتمدها الحكومة في تنفيذ خططها الاقتصادية والاجتماعية، والتي أدت لنتائج كارثية باعتراف جميع القوى الوطنية والشعبية، بما فيها النقابات.

استشعرت الكوادر النقابية خطر تلك السياسات مبكراً، لذا كانت ردة فعلها واضحة جلية ضد هذه البرامج التي وضعت الاقتصاد الوطني، والبلاد عموماً على سكة المخاطر الحقيقية، مما سيؤدي لعواقب وخيمة جداً إذا ما أمعنت الحكومة في تنفيذ برامجها النيوليبرالية.

لقد كان السجال ساخناً بين الحكومة والكوادر النقابية حول النتائج الكارثية للسياسات تلك، وانعكاساتها على الاقتصاد الوطني وحقوق الطبقة العاملة ومكاسبها ومستوى معيشتها، وبالأخص الهجوم الواسع الذي تقوم به على مواقع الاقتصاد الحقيقي (الصناعي، الزراعي) اللذين هما قاعدة الانطلاق لأية إصلاحات تؤدي إلى زيادة مساهمتهما في الدخل الوطني، الذي إذا وُزّع بشكل عادل سينعكس إيجاباً على مستوى معيشة ذوي الدخل المحدود والطبقة العاملة السورية في القطاع العام والخاص، وسيحل بشكل حقيقي الأزمات المستعصية ومنها الفقر والبطالة.

إن التطورات الداخلية الاقتصادية ـ الاجتماعية أخذت تضغط بشكل قوي على قيادة الحركة النقابية، وتجعل خياراتها صعبة في اتخاذ القرارات المطلوب منها اتخاذها لمواجهة ما يجري على الأرض.. فهي مازالت تعمل وفقاً للشعارات والشروط والآليات نفسها التي كانت سائدة منذ عقود، والتي كان فيها القطاع العام سائداً في الاقتصاد الوطني، وحقوق العمل مصانة إلى حد ما، وقوى السوق وآليات النهب والفساد لم تتطور إلى ما هي عليه الآن لتصبح خطراً حقيقياً يهدد الوطن برمته، أي أن مهمات الحركة النقابية ودورها أصبح مختلفاً عما كان سابقاً، حيث كانت ومازالت النقابات تعد نفسها شريكاً للحكومة في اتخاذ القرارات الاقتصادية ـ الاجتماعية والسياسية انطلاقاً من شعار (النقابية السياسية)، التي كانت تعمل وفقه سابقاً، فغابت القضايا المطلبية للطبقة العاملة عن اللوحة، ليُمنح بعضها جاهزاً دون عناء، والحقيقة أنه خلال هذه الفترة من العمل السهل على أساس النقابية السياسية تربت أجيال من القادة والكوادر النقابية.

لكن، الآن تغيرت جذرياً التوجهات الاقتصادية الاجتماعية، وجرى تبني اقتصاد السوق، وفتحت الأسواق وتحررت من الرقابة، وازدادت نسب الفقر والبطالة، وانخفض مستوى معيشة الطبقة العاملة، ويجري تسليم المواقع السيادية (المرافئ، المطارات، محطات الكهرباء، المعامل) للقطاع الخاص والاستثمارات، علماً أن هذه المواقع نص الدستور السوري على حمايتها باعتبارها ملكية للشعب..

مجمل هذه التطورات والتغيرات لابد أن تفرض تغيراً جوهرياً أيضاً في جسم وعقل الحركة النقابية، وتجعلها تفكر وتمارس مهامها النقابية بطريقة تتلاءم مع ما ذكرنا من تغيرات، لأن مهمات العمل النقابي والعمالي وفقاً للشعارات (الاشتراكية) السابقة، لا تشبه المهمات وآليات العمل في ظل الشعارات الرأسمالية المشوهة المتوحشة، وبقاء الحركة النقابية على وضعها الحالي دون مراجعة شاملة لخطابها وآليات عملها يعني تحييدها وعزلها عن قاعدتها، بل إن ذلك سيطرح سؤالاً مشروعاً عن مبرر وجودها وشرعية تمثيلها للطبقة العاملة، وهذا ما تريده وتسعى إليه قوى السوق، وقوى النهب والفساد، وهذا ما لا تريده القوى الوطنية، وخاصة الشيوعيين الذين لعبوا الدور الأساسي في تنظيم، وقيادة الحركة العمالية منذ بداياتها الأولى، وحتى الإعلان عن قيام الاتحاد العام لنقابات العمال، ومازال هذه الدور مطلوباً وإن اختلف شكله وفاعليته، وهم يتحملون مسؤولية ذلك أمام الطبقة العاملة.

جاء في المداخلة التي ألقاها نائب رئيس الاتحاد العام في الاجتماع التحضيري: (..إن من يقع عليه المسؤولية في مواجهة الضغوط هي القيادات النقابية، وليست القواعد النقابية، لذا لابد من تقييم كل ممثلي العمال في الدوائر المختلفة لأن القطاع العام اليوم، ومنذ سنوات يواجه صعوبات كبيرة وجمة، لذا يجب الدفاع عنه، والتمسك به لأنه الأقدر على استمرار القرار السياسي مستقلاً في هذا البلد، لذا يجب تحمل مسؤولياتنا جراء الواقع الذي وصل إليه هذا القطاع الحيوي، والقوي..).

فهل يأتي ما طرحه نائب رئيس الاتحاد العام في الاجتماع التحضيري توجهاً عند الحركة النقابية من أجل تعزيز دورها في الدفاع عن الاقتصاد الوطني وحقوق الطبقة العاملة، والخروج من استعصائها؟

إن ما يكن استنتاجه من حديث

نائب رئيس الاتحاد:

1 - اعتراف قيادة الحركة النقابية أن هناك ضغوطاً تمارس عليها.

2 - ضعف ممثلي النقابات في المواقع الحكومية المختلفة وعدم قدرتهم على أداء دورهم المفترض في تلك المواقع.

3 - أن ما يحدث للاقتصاد الوطني شيء كبير يخل بإمكانياته وقدراته على تأمين متطلبات النمو الضرورية لمواجهة التحديات الداخلية والخارجية.

4 - دور الحركة النقابية في صيانة واستمرارية القرار الوطني المستقل، وذلك بالدفاع عن القطاع العام وإصلاحه وتخليصه من النهب والفساد.

                                        

انطلاقاً مما تقدم يمكن القول إنه ليس هناك خيارات كثيرة أمام الحركة النقابية تستطيع المناورة من خلالها وفقاً للواقع الحالي للحركة النقابية، فهي أمام خيارين لا ثالث لهما:

الخيار الأول: أن تبقى على ما هي عليه من إعلان شراكتها مع الحكومة، ومشاركتها الاسمية في اتخاذ القرارات المصيرية التي تقوم بها الحكومة من خلال تطبيق وتنفيذ سياساتها التي أصبحت مكشوفة وملموسة للقاصي والداني، وهذا الخيار له تبعاته وضريبته التي تدفعها الآن الحركة النقابية والطبقة العاملة، بسبب مساهمتها في تمرير تلكم السياسات، وإضفاء الشرعية عليها، وهو ما يشجع الحكومة بالمضي قدماً فيها لعدم وجود مقاومة وممانعة ذات وزن تفرمل توجهاتها وتوقف سياساتها، فالمثل الشعبي يقول (يا فرعون مين فرعنك؟ قال لا أحد ردّني!!)، وهذا ينطبق على العلاقة بين الحكومة والنقابات.

الخيار الثاني: هو خيار التصدي ومقاومة النهج الكارثي الذي يفرّط بمكتسبات الشعب السوري والطبقة العاملة، وهذا الخيار له مستلزماته، وأدواته، وهو الضمانة بأن يبقي القرار الوطني مستقلاً، وحقوق الطبقة العاملة ومكتسباتها مصانة، وهذا الخيار لا يتعارض مع ما نص عليه الدستور السوري الذي مازال معمولاً به إلى الآن، حيث جاء في المادة /14/ من الفصل الثاني للمبادئ الاقتصادية: /1/ ملكية الشعب (وتشمل الثروات الطبيعية، والمرافق العامة والمنشآت والمؤسسات المؤممة أو التي تقيمها الدولة وتتولى الدولة استثمارها والإشراف على إدارتها لصالح مجموع الشعب وواجب المواطنين حمايتها).

ومن أجل ذلك فإن الحركة النقابية مطالبة بتحمل مسؤولياتها التاريخية في الدفاع عن القطاع العام بأن يكون قوياً، وعن القطاع الخاص الوطني المنتج التي يتعرض أيضاً لهجوم لا يقل عن القطاع العام، وهذا يتطلب:

1 - أن تطرح الحركة النقابية برنامجاً إصلاحياً للقطاع العام تناضل من أجل تحقيقه.

2 - أن يكون للطبقة العاملة في المراكز الإنتاجية الدور الأساسي في حمايتها وفي مواجهة النهب والفساد، والحفاظ على هذه المراكز والمنشآت.

3 - تبنّي الحركة النقابية لحق الإضراب للطبقة العاملة السوري، وهو السلاح الفعال في مواجهة قوى السوق والفساد الكبير دفاعاً عن حقوقها ومكتسباتها، وهذا لا يتعارض مع الدستور في المادة /39/: (للمواطنين حق الاجتماع والتظاهر سلمياً في إطار مبادئ الدستور وينظم القانون ممارسة هذا الحق)، وأيضاً حق الإضراب تؤكد عليه الاتفاقيات العربية والدولية التي وقعت عليها سورية.

4 - انتخاب ممثلي العمال في المواقع المختلفة من جانب عمال المنشأة الإنتاجية، ويكون لهم الحق في العزل والمحاسبة في حال تقصير من يمثلهم.

5 - إعطاء الصلاحيات كاملة للجان النقابية المنتخبة على أساس الكفاءة والسمات النضالية، في تقرير سياساتها الداخلية، ويكون للعمال الحق في عزلها ومحاسبتها.

6 - خضوع القيادات النقابية للمساءلة والمحاسبة، وتقديم كشف حساب عما أنجز من مهمات تتعلق بالدفاع عن المواقع الإنتاجية وحقوق الطبقة العاملة.

إن تبني الحركة النقابية لبرنامج إصلاحي يأخذ بعين الاعتبار المستجدات الداخلية والخارجية، يكون الأساس فيه الدور الفاعل للطبقة العاملة، هو من سيعزز وحدة الحركة النقابية والحركة العمالية، ويجعلها أكثر فاعلية وقوة في مواجهة التحديات.. فهل تفعل الحركة النقابية ذلك؟؟