قوانين العمل السورية «المرنة» واقتصاد السوق!!

قوانين العمل السورية «المرنة» واقتصاد السوق!!

منذ تبني اقتصاد السوق الاجتماعي رسمياً، أرتسم خط ناظم لعمل جميع الحكومات التي تعاقبت تجاه الطبقة العاملة السورية بشقيها العام والخاص، وهذا الخط جرى التعبير عنه بأشكال مختلفة من الممارسة والسلوك ابتداءًمن طرح مشاريع الإصلاح الاقتصادي للقطاع العام، التي تبخرت مع تقدم وسيادة النهج الليبرالي في الاقتصاد الوطني وليس انتهاءًبحرية التجارة، وفتح الأسواق، وتقليص دور الدولة«الاقتصادي الاجتماعي»، وتقييد قوة العمل بقوانين عمل «مرنة» حسب تبني صندوق النقد والبنك الدوليين لهذا المبدأ الذي تم النصح به لكل الدول التي تبنت الليبرالية الجديدة في الاقتصاد!!.

إن كل هذا الأمر كان يعني تحرير الدول من التزاماتها الاجتماعية تجاه قوة العمل بأن توفر عملاً دائماً، مما يولد بطالة مقنعة تخفض نسب الأرباح التي من المفترض أن تجنيها الاستثمارات المحلية والأجنبية، وهذا لن يتم إذا ما كان للدولة الدور الرئيسي المتحكم بالسياسات الاقتصادية والاجتماعية لمصلحةالغالبية من الفقراء من حيث تحقيق نسب النمو المطلوبة في عمليات التنمية التي ستحل أو ستخفض إلى حد بعيد معدلات البطالة ونسب الفقر، وترتقي بمستوى التعليم بكل مراحله، وتوجد حلاً حقيقياً لأزمة السكن، والمواصلات وغيرها من القضايا التي تمس حياة الشعب مباشرةً.

لقد حددت المؤسسات المالية الإمبريالية توجهاتها، واتجاهاتها نحو الدول، والحكومات إذا ما أرادت النجاح في إدارة الاقتصاد بـ:

الخصخصة..

تخفيض الإنفاق على شؤون الرعاية الاجتماعية.

وضع قوانين أكثر مرونة لسوق العمل.

الذي يهمنا في التناول هو البند الثالث المتعلق بالقوانين، والتشريعات «المرنة» لسوق العمل التي صدرت خلال العقدين الفائتين؛ والمقصود بذلك تلك القوانين والتشريعات التي يمكن من خلالها التضييق على قوة العمل، ووضعها دائماًتحت مطرقة الاستغلال والبطالة، حيث سيقوم السوق بعملية تنظيمها كما السلع، محدداً قيمتها وفقاً للعرض والطلب، ويمكن أن نشير بهذا الخصوصلقوانين العمل المرنة الصادرة مثل قانون العاملين الموحد خاصةً مادته(137) المُستغلة لأبعد حد في تسريح العمال وفق صيغة مكافحة الفساد المالي والإداري، بينما الفساد الحقيقي لا يُكافح؛ وهو ناشط على جميع الأصعدة ويساهم إلى حد بعيد في إدامة الأزمة، واستمرارها، وقانون العمل رقم17 يحوي ما يكفي من المواد التي من خلالها يستمد أرباب العمل سيطرتهم وتحكمهم بالعمال من حيث تحديد مستوى الأجور أو الالتزام بحقوق العمال الكثيرة التي لايحصلون عليها، في مقدمتها حق التسجيل في التأمينات الاجتماعيةعلى أساس أجورهم الحقيقية، بالإضافة لمجموعة من المراسيم المتعلقة بالتشغيل المؤقت والموسمي وعلى الفاتورة، وغيرها من التشريعات الآخرى التي تفتق عنها الذهن الحكومي وفقاً للعمل المرن المراد به التشغيل المؤقت، وغير الدائم لقوة العمل التي تحتاجها المشاريع والشركات الإنتاجية في الزراعة والصناعة، حيث جرى ويجري التسريح لقوة العمل بالرغم من حاجة الإنتاج الزراعي والصناعي لها، واستبدالها بعمالة أخرى الطريقة نفسها ، والشواهد على هذه كثيرة في السابق والوقت الحالي، ونحن في أزمة حقيقية تعصف بالبلاد، تحتاج إلى عمل حقيقي سياسي واقتصادي - اجتماعي يخرج البلاد من أزمتها بأقل الخسائر والتكاليف التي يدفعها شعبنا السوري العظيم بأغلبيته الفقيرة، والعمل الحقيقي الذي نتحدث عنه في جزء منه هو الحفاظ على كرامات العمال، بتأمين العمل الدائم المكفول دستورياً، وليس إلقاءهم على قارعة الطريق لتتحكم بمعيشتهم غربان السوق المتوحش على أساس قوانين السوق«المرنة» التي تقول أن لا عمل دائم، ولا تدخل حكومي في آليات التشغيل لتخفيف وطأة الأزمة.