فشل مشروع التأمين الصحي باعتراف راعيه!!

فشل مشروع التأمين الصحي باعتراف راعيه!!

يعتبر قطاع التأمين الصحي في سورية كغيره من القطاعات التي تأثرت بالأزمة الراهنة التي تعيشها البلاد، ومن الطبيعي أن يواجه مشكلات وصعوبات بالجملة بدءاً بالعامل الذي لديه وثيقة التأمين مروراً بشركات إدارة النفقات الطبية ومقدمي الخدمة، انتهاءً بالمؤسسة العامة السورية للتأمين.

 من هنا يبدو أن اللجنة التي شكلها سابقاً وزير المالية الدكتور إسماعيل إسماعيل لدراسة عقود التأمين الصحي، وتحديد جوانب القصور الإداري التي تعوق الاستفادة منها، ووضع اقتراحات لمعالجتها بالسرعة الممكنة ذهب عملها أدراج الرياح. رغم أنها كانت تضم جميع المستفيدين من العقد، واجتمعت لمدة أسبوع وهم: «ممثلون عن وزارتي الصحة والتربية والاتحاد العام لنقابات العمال ونقابات المعلمين، والأطباء والصيادلة وهيئة الإشراف على التأمين، وهيئة المخابر الطبية» وحددت مهمتها وقتئذً لدراسة عقود التأمين الصحي ومراجعتها بالتفصيل، وحل الإشكاليات الإدارية واللوجيستية والتعامل بأقصى قدر من الإيجابية لمصلحة العمال والحفاظ عليها ومنع المساس بها على حد قوله!!.

مجرد سمسار

الطامة الكبرى أن كل وزير تحدث عن المشكلات المتعلقة بملف التأمين الصحي ربطها بفساد الجانب الإداري وانعكاساته على ضعف الخدمة، ومع ذلك لم يُقْدم على أي حل يضع حداً للفساد والمفسدين.
أما المفاجأة فقد جاءت من مدير التأمين الصحي في وزارة الصحة ماجد عارف الحجي، حين حمَّل مسؤولية إخفاق مشروع التأمين الصحي لـ«المؤسسة العامة السورية للتأمين»، متهماً إياها بأنها «بوضعها الراهن غير مؤهلة لإدارة مشروع التأمين الصحي، بسبب قبولها أن يكون دورها مجرد وسيط ومعقب معاملات ليس أكثر».
السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو: هل من المنطقي أن تستلم مؤسسة مشروع التأمين الصحي لكل هذه الوزارات والهيئات وهي غير مؤهلة، ولا تملك كادراً طبياً في ملاكها قادراً على إدارة مشروع كهذا، كما أنها لا تملك مقراً مركزياً موحداً للإدارة، ما جعلها تتخبّط إدارياً، وبالتالي تعتبر مجرد سمسار؟!.

شركة طبية بلا أطباء

أما الجهة الثانية المتهمة بإخفاق مشروع التأمين الصحي برأي الحجي، هي «هيئة الإشراف على التأمين، لأنها أيضاً غير مؤهلة وغير قادرة على مراقبة أداء شركات إدارة النفقات الطبية، فهي لا تملك أي كوادر أو كفاءات طبية في ملاكها، كما لا تملك أي رؤية لبرنامج رقابي طبي، لذلك تخلّت عن مسؤولياتها» السؤال الأهم هنا هو: من هو الشخص المسؤول إذاً عن تمرير المشروع لكي يكون بعهدة هاتين الجهتين؟
الغريب أن الحجي لم يكتف باتهاماته للجهتين فقط، وإنما كشف عن ثالثة لها ارتباطها بالمشروع؛ وهي شركات إدارة النفقات الطبية، معللاً ذلك «لكونها تستنزف ربع ميزانية التأمين الصحي من خلال الأتعاب والعمولات الكبيرة التي تحصل عليها، وهي تفرض عمولات ونسب اقتطاع كبيرة على مقدّمي الخدمات، وتتأخر بتسديد المستحقات المالية لمقدّمي الخدمات لأكثر من خمسة أشهر»، وحسب التصريحات التي أدلى بها الحجي للزميلة «الوطن» فإن الشركة شبه وهمية، وذلك حين أكد أنها «ذات إمكانيات محدودة تدير عملها من خلال شقق في دمشق؛ وبرنامج طبي على شبكة الانترنت، وليس لمعظمها أي حضور حقيقي على الأرض في المحافظات كافة، كما أنها تعتمد في إدارتها على كوادر غير مؤهلة من الصف الثاني، بعد أن تخلّى مديرو هذه الشركات عن مسؤولياتهم بحجة اضطرارهم للسفر خارج سورية بسبب الظروف».

الجميع متهم

الحجي وضع بتصريحاته النارية الكرّة في ملعب الحكومة أولاً، وكل الجهات المتداخلة بترخيص المشروع ثانياً، بما فيها النقابات المهنية الطبية، متهماً إياها «أنها تخلّت عن مسؤوليتها في مراقبة أداء شركات إدارة النفقات الطبية، وتدقيق وتحصيل المستحقات المالية لمصلحة مقدّمي الخدمات» ووصل به الأمر لتصحيح مسارها مشيراً أنه «كان المنتظر والمأمول من هذه النقابات المهنية أن تشكّل مع فروعها في المحافظات، من خلال بنيتها التحتية والمتمثلة بكادرها الإداري والمالي للصندوق المشترك فريقاً للعمل في استلام المطالبات المالية لمقدّمي الخدمات، وتسليمها لشركات إدارة النفقات الطبية وتحصيل المستحقات وتسديدها لأصحابها أصولاً».
آخر المتهمين داخلياً بنظر الحجي كانت وزارة المالية، «لعدم قيامها بوضع نظام صارم للمراقبة والمحاسبة المالية من أجل التدقيق فيما إذا أنفقت الأموال المرصودة للتأمين الصحي حسب الاتفاق والأصول، والتأكّد من أن الخدمات الصحيّة ذات الجودة المناسبة قد قدّمت إلى المرضى المناسبين وبالتكلفة المناسبة، وتحديد نسبة الإنفاق الصحي على كلّ مؤمّن له والتحقق من ذلك، وتحديد مبالغ الاحتيال والإنفاق الوهمي من خلال المطالبات الوهمية لخدمات طبية لا توجد إلا على الورق وتحميل المسؤولية للمخالفين أصولاً».
فهل ستحاسب الحكومة جميع الجهات المتهمة آنفاً؟ أم هي أيضاً جزء من المشكلة ولها حصتها من «الكعكة» الصحية.. وللحديث بقية؟!!.