بصراحة: ماذا يريد العمال من المؤتمرات النقابية القادمة؟

جاء الاجتماع الذي عقدته قيادة الاتحاد العام لنقابات العمال مع الكوادر الرئيسية في الحركة النقابية، في إطار التحضير لعقد المؤتمرات النقابية السنوية القادمة، والتي سيتم فيها عرض حصيلة عملها ونشاطها النقابي وما قامت به خلال عام أمام أعضاء المؤتمرات.

والمعتاد في مثل هذه المؤتمرات أن تقدم كل نقابة مهنية تقريرها السنوي الذي يتضمن بشكل أساسي أهم القضايا المطلبية للعمال، وما يعترض تحقيق هذه المطالب من صعوبات ومعوقات.

في هذا السياق أشار رئيس الاتحاد العام لنقابات العمال إلى الخطوط العامة التي من المفترض أن تتضمنها جداول أعمال المؤتمرات، وهي الخروج عن الروتين المعتاد، وأن تلامس المؤتمرات القضايا المطلبية للعمال، وتبتعد عن الخطابات المثيرة، متسلحة بالمعرفة للتعبير عن المواقف النقابية الصحيحة.

بهذا الصدد يمكن القول إن ما يعيق تنفيذ المطالب العمالية التي تطرح سنوياً بشكل متكرر دون الوصول إلى نتائج حقيقية تنعكس على حقوق العمال المطالب بها إيجاباً، هي السياسات الاقتصادية الليبرالية التي تنتجها الحكومة منذ ما قبل الخطة الخمسية العاشرة وما تلاها، وهذه السياسات تلعب دوراً أساسياً في الهجوم على حقوق ومكاسب العمال وتقليصها، وهو ما جعل مشكلتي الفقر والبطالة تتفاقمان، وقد اعترفت الحكومة بفشلها في حل هاتين القضيتين من خلال الخطة الخمسية العاشرة، والاعتراف بالفشل يعني أن السياسات المتبعة لا تتوافق مع مصالح ذوي الدخل المحدود، ومنهم أبناء الطبقة العاملة التي أصابها النصيب الأكبر من الأضرار، ليس في حقوقها ومكاسبها ومستوى معيشتها فقط، بل في مكان عملها أيضاً، ولكن الأمر الضروري الذي ينشده العمال من انعقاد المؤتمرات النقابية ومن نضال الحركة النقابية، هو الدفاع عن الأجور وتحسينها وزيادتها، خصوصاً أنها أصبحت فاقدة لقيمتها الحقيقية نتيجة التضخم وارتفاع الأسعار الجنوني، وعدم تناسبها المطلق مع تكاليف المعيشة المتزايدة باستمرار، حيث لم يعد بإمكان ذوي الدخل المحدود بأجورهم الزهيدة تغطية ولو جزءاً قليلاً من تكاليف المعيشة الضرورية لإعادة إنتاج قوة عملهم مرة أخرى.

مؤتمر الإبداع الوطني الذي عقده الاتحاد العام لنقابات العمال عام 1987 أوضح من خلال دراسة السلة الغذائية وتكاليفها، أن حاجة الفرد الغذائية في اليوم هي /2400/ حريرة، وتكاليفها الشهرية لأسرة مكونه من خمسة أفراد يقارب الـ(15 ألف ليرة سورية)، بينما وسطي الأجور في سورية يقارب الـ(11 ألف ليرة سورية)، وحسب الدراسات التي قدمتها الحكومة نفسها، فإن حاجة الأسرة من الإنفاق تتراوح بين /25 ـ 33/ ألف ليرة سورية.

وهذا يعني أن هناك فارقاً كبيراً بين وسطي الدخل ووسطي الإنفاق، والفارق يزداد كلما أمعنت الحكومة وتقدمت أكثر بسياساتها الليبرالية التي خبرتها الطبقة العاملة جيداً ولم تعد تنطلي عليها.

إذاً ألا تستحق قضية الأجور أن تكون القضية الأولى المفترض بالنقابات التصدي لها، وبحثها في المؤتمرات النقابية لاستنباط المهمات، وآليات العمل الكفيلة في التقليل من الفارق بين وسطي الدخول ووسطي الإنفاق لذوي الدخل المحدود؟

إن المقاييس العمالية تؤكد لكي يحدث توازن بين الدخول والإنفاق، بحيث تكون نسبة الأجور تساوي 40% من الدخل الوطني، وهي لا تساوي الآن في أحسن أحوالها 20% وهذا يعني خللاً فظيعاً في توزيع الدخل الوطني لمصلحة رؤوس الأموال التي زادت من تمركزها بأيدي قلة قليلة تستأثر بالنصيب الأكبر من الدخل الوطني (الأرباح)، مما يعيق الاقتصاد الوطني عن تحقيق النمو المطلوب لتطوير القوى المنتجة، وتطوير الاقتصاد الحقيقي في الزراعة، والصناعة، الذي يلعب دوراً مهماً في القضاء على البطالة والفقر في حال تخليصه من النهب والفساد الكبيرين، اللذين استوطنا في اقتصادنا الوطني بسبب سيادة علاقات الإنتاج الرأسمالية المشوهة، والذي عمقته أكثر السياسات الليبرالية مما أدى إلى كوارث حقيقية على شعبنا وعلى الاقتصاد الوطني، المطلوب منه إنجاز متطلبات الصمود، والمقاومة في وجه العدوان الإمبريالي الأمريكي ـ الصهيوني، حيث الجزء الهام والأساسي في هذا الصمود تأمين متطلبات الشعب السوري من مستوى معيشة يحقق كرامته في وطنه.

إن قضية الأجور هي قضية وطنية من الدرجة الأولى، وهي تحمّل القوى الوطنية، وفي مقدمتها الحركة النقابية، مسؤولية استثنائية في ظروف استثنائية وضعت سورية بحكم موقعها الجغرافي، ومواقفها السياسية الرافضة للمشاريع الاستعمارية قديمها وجديدها في مقدمة القوى الممانعة لهذه المشاريع العدوانية، مما يتطلب مواقف جريئة من الحركة النقابية في التصدي للسياسات الليبرالية وعدم التصالح معها تحت أي شعار تروج له الحكومة لتمرير سياساتها الاقتصادية- الاجتماعية.

إن المؤتمرات النقابية هي فرصة جيدة لإعادة النظر بالخط الذي تسير عليه الحركة النقابية، وفرصة مهمة لاستنهاض قوى الطبقة العاملة من خلال إعادة الاعتبار لدورها وتفعيله من أجل الدفاع عن حقوقها ومكاسبها الاجتماعية والاقتصادية والديمقراطية، فلم يعد مقبولاً وطنياً وعمالياً أي موقف وسط، بل لابد من الانحياز الكامل لخيار العمال النقيض لخيار قوى السوق وللنهج الليبرالي المدمر وفي ذلك خير للطبقة العاملة.. وللاقتصاد الوطني.