بصراحة:     تخوفات مشروعة  لعمال القطاع الخاص

بصراحة: تخوفات مشروعة لعمال القطاع الخاص

قانون العمل الجديد رقم /17/ أكثر القوانين التي ثار حولها جدل ونقاش بين وجهتي نظر، واحدة متوافقة معه باعتباره قانوناً عصرياً يستجيب للتطورات الاقتصادية الجارية في البلد، ويحقق رغبات المستثمرين وأرباب العمل ويشجعهم على الاستثمار، ووجهة النظر الأخرى ترى في القانون أخلالاً كبيراً بحقوق ومصالح العمال في القطاع الخاص، ويمكِّن أرباب العمل من فرض شروطهم على العامل منذ بدء التعيين حتى التسريح التعسفي، الذي قد يلجأ إليه أرباب العمل، لذا لابد من تعديله، وهذا أضعف الإيمان، وذلك بإسقاط البنود والمواد التي تطلق يد أرباب العمل في التسريح وفرض الشروط غير الإنسانية على العمال.

أما العمال في القطاع الخاص وهم أصحاب الشأن المعنيين كلياً عن تقرير مصيرهم، فقد جاءت مداخلاتهم على العكس من موقف العديدين من قيادات الحركة النقابية الحاضرين للمؤتمرات النقابية، فقد بينوا فيها ما يتعرضون له من استلاب لحقوقهم فهم محرومون من زيادة الأجور وتعويض التدفئة والرعاية الصحية والإجازات والعطل الرسمية والتسجيل في التأمينات الاجتماعية.

إن نسبة تواجد عمال القطاع الخاص في المؤتمرات النقابية متوافقة مع نسبتهم العددية في التنظيم النقابي، فمثلاً في مؤتمر نقابة عمال النسيج كانت هناك مداخلة واحدة لعمال القطاع الخاص، مع العلم أن قطاع النسيج يضم عشرات المعامل والورش العاملة في هذا الميدان، وأيضاً مؤتمر نقابة عمال البناء قُدِّمت فيه ما يقارب الأربع مداخلات لعمال القطاع الخاص، مع العلم أن العدد الأكبر للعاملين في مهنة البناء هم في القطاع الخاص ضمن ورش صغيرة وفي الشركات الإنشائية الكبيرة الخاصة.

إن هذا الخلل التمثيلي يعكس نفسه بشكل واضح على تركيبة المكاتب والهيئات النقابية العليا، بحيث تظهر الحركة النقابية وكأنها تمثل طرفاً واحداً من الطبقة العاملة السورية وهو القطاع العام فقط، ولهذا الموضوع أسباب كثيرة جعلت الحركة النقابية أن تتخذ هذا الموضع، مع أن أدبيات الحركة النقابية تنص في معظمها على ضرورة وأهمية تطوير العمل وجذب عمال القطاع الخاص إلى المظلة النقابية، ولكن النصوص شيء والواقع شيء آخر.

لقد تُرِك عمال القطاع الخاص وحيدين يواجهون عواقب قانون العمل الجديد الذي مضى على صدوره ما يقارب العام، والحركة النقابية مازالت مصرة على موقفها من القانون وضرورة تطبيقه، مع أن هناك أراء أخرى لكوادر نقابية حول هذا القانون تقول بوجود تناقضات كبيرة في مواده، تعطي أرباب العمل فرصة التملص من حقوق العمال، وتعطيهم القدرة على تقرير ما يجدونه مناسباً لتثبيت شروطهم من خلال عقود العمل التي صيغت بعناية شديدة، وبموافقة وتصديق وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، وفقاً للمبدأ الأساسي الذي تم إقراره وهو (العقد شريعة المتعاقدين)، هذا المبدأ الذي يحدد كل الشروط اللازمة لإخضاع العمال لإرادة أرباب العمل، حيث يوافق العمال على ما يأتي بهذه العقود، لأنهم لا يملكون خياراً آخر غير الموافقة.

إن ردود أفعال العمال في القطاع الخاص على مواد القانون مازالت في بدايتها، ولكن تخوفاتهم المشروعة على حقوقهم ومكاسبهم واضحة للعيان، وأهمها حقهم بالعمل الذي تهدده المادة /65/ من قانون العمل الجديد، وتلك التخوفات كانت واضحة في المداخلات التي ألقيت في المؤتمرات.

والسؤال الهام ما هو رد القيادات النقابية على تخوفات عمال القطاع الخاص في المؤتمرات النقابية؟ جاءت ردودهم موحدة في جميع المحافظات التي عُقدت فيها المؤتمرات، حيث تؤكد على أهمية هذا القانون باعتباره قانوناً متوازناً يحقق مصالح أرباب العمل والعمال على حد سواء، وفيه الكثير من الامتيازات التي قام الاتحاد العام بنشرها في كتيب وزَّعه على الاتحادات النقابية، لذا لابد من تطبيقه والعمل وفقاً لنصوصه، وإن مسؤولية الحركة النقابية الآن تتحدد بجعل وزارة العمل تراقب تطبيق القانون، وذلك بالقيام بجولات تفتيشية على المعامل والورش الخاضعة له.

ولكن هل تستطيع وزارة العمل، وهي وزارة منحازة لجانب أرباب العمل منذ أن كان القانون مشروعاً حتى صدوره، أن تسهر على تطبيقه وتحصيل حقوق العمال وتثبيت مكاسبهم؟!

إن الوقائع تشير بشكل جلي وواضح إلى عدم قدرة هذه الوزارة (العتيدة) على القيام بمهامها المنوطة بها، وهي لم تقم بها في السابق حتى تستطيع القيام بها الآن، خاصة أن أرباب العمل والمستثمرين يمتلكون من الحصانة ما يجعلهم المقررين في تطبيق هذا القانون أم عدمه.

إن عمال القطاع الخاص في النهاية هم من سيقررون الدفاع عن مصالحهم وحمايتها، وسيجدون الأشكال والأدوات التي تمكنهم من ذلك، وفي مقدمتها حقهم بالإضراب السلمي والمطلبي، وإن الموقف المنحاز لهذا القانون لن يكون إلا في صف أرباب العمل، وسيضعف وحدة الطبقة العاملة، وهذا هو الهدف الذي تسعى إليها قوى السوق وحلفاؤهم..