بصراحة: المؤتمرات النقابية... قاعدة انطلاق للنضال العمالي
عادل ياسين عادل ياسين

بصراحة: المؤتمرات النقابية... قاعدة انطلاق للنضال العمالي

مع اقتراب انعقاد المؤتمرات النقابية تدور الكثير من النقاشات حول الأفكار والمواقف المفترض طرحها في هذه المؤتمرات، ويأتي في مقدمة ما يجري النقاش حوله، سؤال عن كيفية تطوير النقابات أداءها ودورها في الدفاع عن الاقتصاد الوطني وفي مقدمته القطاع العام الصناعي، والمطالبة بحقوق العمال؟ خاصةً وأن الأزمة الوطنية التي نعيش فصولها الآن قد كشفت للقاصي والداني ما فعلته بنا السياسات الاقتصادية الليبرالية ودفاع الليبراليين الحكوميين عن هذه السياسة باعتبارها خشبة الخلاص لكل الأزمات الاقتصادية والاجتماعية في البلاد، والتي ما كان منها إلا أن تعمقت وتفاقمت آثارها الكارثية أمنياً وسياسياً واقتصادياً.

 

هناك وجهة نظر مازالت سائدة في بعض الأوساط النقابية عن دور النقابات الآن، وتدعو إلى السكوت عن المطالبة بالحقوق العمالية إلى ما بعد الانتهاء من الأزمة الحالية، والسبب هو قلة الموارد وعدم إمكانية تحقيق المطالب نتيجة لذلك، ولكن أصحاب هذا الرأي كانوا يطرحونه سابقاً، وبوجود الحكومة السابقة أيضاً، ليأتي متناغماً مع سياساتها المدعية أن الدولة لم تعد تتبنى دور الأب الراعي لأبنائه والمفترض أن يقدم لهم كل ما يحتاجونه، والسياسة المتبعة، وهي على الأبناء تدبير رأسهم بأنفسهم في العمل والصحة والخدمات وغيره من القضايا، أي إخضاع كل شيء لقانون السوق (العرض والطلب)، حتى الهواء الذي سيتنفسه الفقراء والذي هو مشاع لابد من إخضاعه لقانون السوق الذي جاءتنا به الليبرالية المتوحشة، ومعها أصبحت حقوق ومكاسب العمال عرضة للانتهاك، وعرضة للتخلي عنها تحت حجج وذرائع ما أنزل الله بها من سلطان، مثل أننا محكومون بقوانين وأنظمة واعتبارات أخرى لا نستطيع تجاوزها... وبهذا يكون العمال قد دفعوا الثمن الباهظ سابقاً، وسيبقون يدفعونه طالما السياسات الاقتصادية الليبرالية سائدة وباقية على عرشها تتحكم بمصائر البلاد والعباد، حتى وإن تغيرت وجوه مريديها وأتباعها، كما هو حاصل الآن مع الحكومة الحالية التي تفاقمت الأزمات في عهدها وفي كنفها، وهي تتحفنا بمشاريعها الإصلاحية للقطاع العام كما أتحفتنا الحكومة السابقة بمشاريعها الإصلاحية الكثيرة التي لم تسمن ولم تغنِ من جوع.

إن القضية ليست بالموارد وتوفرها كي تتحقق للعمال حقوقهم، لأن المصادر الحقيقية للموارد متوفرة ويمكن تحصيلها إذا ما توفرت الإرادة لذلك سياسياً واقتصادياً، وتوفرت القوى الاجتماعية التي لها مصلحة حقيقية في إنجاز هذا العمل الوطني الكبير الذي سيكون المدخل الأولي لتأمين تلك الموارد الضرورية، خاصة وإن هذه المهمة تكتسب أهميتها في الوقت الراهن بسبب ما تواجهه البلاد من حصار اقتصادي جائر أصاب أول ما أصاب الطبقات الشعبية وليس غيرها، لذلك فإن الطبقة العاملة السورية هي أولى القوى الاجتماعية التي لها مصلحة فعلية في استرداد ما تم نهبه عبر الفساد الكبير في المواقع المختلفة، والقول الآن إن الموارد شحيحة، يصب في طاحونة من يريد إبقاء حقوق العمال مغيبة ومؤجلة إلى أن يشاء الله، وهو مع استمرار النهب وسيادته.

إن الطبقة العاملة السورية مطالبة الآن بأن ترفع صوتها عالياً من أجل حقوقها ومكتسباتها وتأمين حاجاتها الضرورية التي لم تعد تستطيع تأمينها بسبب الاحتكار وغلاء الأسعار وفقدان العديد من المواد الضرورية، وهي معنية أيضاً بأن تطالب نقاباتها عبر المؤتمرات أو خارجها، بأن تقف إلى جانبها باعتبارها الممثل الشرعي لحقوقها الاقتصادية والسياسية المفترض الدفاع عنها بكل الوسائل المشروعة والسلمية، ودون ذلك لا يمكن ردم الهوة بين النقابات والعمال التي توسعت في ظل الحكومة السابقة التي كانت تعتبر النقابات منفّذاً  لسياساتها في الطبقة العاملة ومدافعة عنها، وهنا لا يمكن أن نعمم هذا الموقف على مجمل الحركة النقابية، بل إن الكثير من الكادرات النقابية لعبت دوراً مهماً في التصدي وعرقلة ما أمكنها من السياسات الحكومية، وخاصة ما يتعلق منها بمشاريع الخصخصة التي كانت تطرحها وفريقها الاقتصادي تحت مسميات عدة، والتي صبت جميعها في طاحونة خراب الاقتصاد الوطني.. وانعكاس ذلك على المستوى المعيشي وعلى مستوى البطالة والفقر بأن ازدادت نسبها ومخاطرها الاجتماعية والسياسية كما نشهد الآن.

  • الاقتصاد السوري
  • قوى الفساد
  • العمال السوريون