«بوّاب الفرح» يترجّل
عبد الرحمن جاسم عبد الرحمن جاسم

«بوّاب الفرح» يترجّل

لا يعرف الجيل الجديد بواب الفرح مخّول قاصوف، فالطبيب الفنان ابتعد عن الفن منذ سنين طوال، ولم تكن محاولة «نادي لكل الناس» بإصدارها ألبوماً عنه «مثقفون نون بلاس» كافية كي تعيده إلى الواجهة والمكانة التي يستحقها. كان طبيب الأسنان واحداً من أوائل فناني جيل ما عرف بالفنانين الوطنيين، وكان أول من افترق عنهم ليهتمّ أكثر بعمله السياسي والطبي.

هو ابن الحزب السوري القومي الاجتماعي حيث تسلّم بين عامي 1970-1982 منصب وكيل عميد الثقافة في الحزب، ليترك منصبه بعد ذلك منصرفاً إلى عمله الطبي خدمة للناس وضمن كلية طب الأسنان في الجامعة اللبنانية، حيث بقي يمارس «التدريس»، بعيداً عن أي نشاطٍ فنيٍ من أي نوع (اللهم باستثناء حفلة أقامها في «جامعة القديس يوسف» عام 2013).

افتتح مخول قاصوف الأغنية الوطنية بشكلها الحالي عام 1969، وكان رائدها من خلال أغنية «في خيامنا أطفال» (أهداها للأطفال الفلسطينيين) وغنّاها أمام الفنانة الفرنسية اليسارية كاترين سوفاج عام 1971 (كانت تزور الجامعة اليسوعية لتغني هناك)، وهو لا يزال تلميذاً في كلية الطب في الجامعة حيث كان اليمين اللبناني يسيطر، وأي محاولة لرفع الصوت تقدمياً وقومياً تلاقى بالعدائية والكره. مع هذا، فإن قاصوف كان يصدح غناءً على مسارح الجامعة وساحاتها، ما سبّب له المشاكل وأكسبه كثيراً من الأعداء. جمع الشاب الشجاع ابن قرية الخنشارة أكثر من 17 أغنية كانت حصيلته التأليفية/ التلحينية، ليصبح حديث لبنان بأكمله. كتبت عنه الصحف الشهيرة آنذاك كـ»النهار» و»لوريان لو جور». لم يكتفِ تلميذُ الطب بذلك.

حمل غيتاره الذي كان والده قد أهداه إياه وهو لما يزل حديثاً بعد، وانطلق يعزف أغانيه في المناطق الحدودية وساحاتها، منشداً المقاومة في وقتٍ كانت لا تزال فيه الحركات الوطنية المقاومة حديثة العهد، وتحتاج إلى صوت يرفع المعنويات ويشدد على أفكارها. كان مخول قاصوف صوت المقاومة وروحها، وأول من أنشأ مداميكها عميقاً في الأرض.

أغنيته «جنوبيون» حققت له ضجةً كبيرةً في الأوساط المقاومة، فتربع على عرش الأغنية الوطنية واقترب بأدائه العفوي البسيط من المقاومين والناس على حدٍ سواء. لكن ما لا يعرفه كثيرون أنّ ذلك لم يكن بداياته، فهو كان قد أنشأ في السابق فرقة تؤدي الأغاني الأجنبية، وبالتحديد أغنيات فرقة الـ»بيتلز» الشهيرة، وسمى فرقته «الشياطين» (Devils)، لكنه تنبه بحرفة الفنان ووعي المقاوم والوطني بأن هذا النوع لن يكون ذا أثر ما لم يتواصل مع أناسه وأرضه، فكان الانتقال بشكلٍ كاملٍ وكلي إلى الأغنية المقاومة الملتزمة. قاصوف تعاون مع أشهر رموز الأغنية الوطنية والفنية؛ وأهمّهم: زياد الرحباني، سليم سحاب، سامي حوّاط، يحيى الداده، كما الشعراء طلال حيدر وكمال خير بك. كان تعاونه معهم في ألبومه الأهم «إنتو كل الحكاية» الذي لم يحظ بالنجاح الكبير، رغم الأسماء الكبيرة التي حوتها جنباته. والسبب يعود إلى أن التجربة كانت «مرتبكة» بحسب قاصوف، وكان يبدو أن «التقنيات» التي استعملت حينذاك لم تكن في المستوى المطلوب.

تبقى «بدوية» (سجلها في 1980) للشاعر طلال حيدر التي عرفها الجمهور أكثر في ما بعد حين أداها مارسيل خليفة وضمّنها ألبوماً حمل اسمها بعدها بأعوام (1995) واحدةً من أكثر أغنياته «شهرةً». سجلها مرتين ولاقت - ولا تزال - نجاحاً. لكن قاصوف لم يعتبرها تجربة «التسجيل الأولى» فاشلةً، بل بالعكس، فإن نجاح الأغنية – بصورتها الأولى - جعله يعيد تسجيلها ليقدّمها في ألبومه «بواب الفرح» (1985) الذي شاركه فيه زياد الرحباني عازفاً على البيانو، وسامي حواط ويحيى الداده غناءً، وتولى عبود السعدي مسؤولية التوزيع الموسيقي. شكلت «الميزانية المادية» مشكلةً حقيقيةً لمخول قاصوف وإنتاجه الفني، فهو كان شاعراً أيضاً، يكتب بغزارة، ويلحن ويغني، لكن التسجيل كان يحتاج إلى ميزانية كبيرة. كان التسجيل على كلفته الخاصة هو الحل الوحيد، وهو ما قام به حين سجّل ألبومه «كلو تمام» (1991) وكان من أشهر أغنياتها «مثقفون نون» وفيها يتحدث بوضوح بالغ عن «مثقفي» هذا العصر الذي يباعون ويشرون بكل بساطة. وللأغنية هذه تحديداً حكايةٌ مفادها أن مخول لم يكن يريد تسجيلها، لكن زياد الرحباني أصر على تسجيلها وتوزيعها موسيقياً، لتصبح واحدةً من أشهر أغاني الألبوم، إن لم تكن أشهر أغاني قاصوف قاطبةً. ويشير بعضهم إلى تشابهها مع الاسكتش القديم للرحباني «الثقافة والمناقيش» وذلك هو مرد إعجاب زياد الشديد بها.

امتاز أسلوب مخول قاصوف ببساطته أكثر من أي شيءٍ آخر، ولم تكن فرادته كونه الأول من جيله في هذا النوع من الغناء فحسب، بل أيضاً لكونه شاهد الطريق قبل غيره وسلكه وظل محافظاً بإصرار على ذلك الدرب من دون أن يحيد عنه. ولم يكن تكريم نادي «لكل الناس» له من خلال إطلاقه ألبومه «مثقفون نون بلاس» إلا نوعاً من التأطير لتلك الفكرة.

 

المصدر: الأخبار