عن غزة الجميلة وغزة الجريحة!
إيمان الأحمد إيمان الأحمد

عن غزة الجميلة وغزة الجريحة!

يقال «إن المفلس يعود دائماً إلى خُرجه العتيق ليستهلك منه ما سبق أن استخدمه»، وما زال الصهاينة والإعلام الغربي من خلفه يستهلكون ما سبق لهم من نظرية «اكذبوا ثم اكذبوا، لعل شيئاً يعلق في الأذهان» التي استخدمها النازيون في الحرب العالمية الثانية.   

لم يكتف الصهاينة والإعلام الغربي الواقف خلفهم باللعب بالكلمات، وطرق التضليل والتزوير الممنهجة ومحاولة خربطة الأمور على الجمهور واستخدام كل أشكال الحرب النفسية الأخرى كما تعوّد في السابق، بل تجاوز كل ما يمكن استخدامه بهدف تزوير الحقائق وخلق صورة مغايرة للواقع.

«صَهينة» القرار الدولي

شكّل ادّعاء دولة جنوب إفريقيا على الكيان الصهيوني أمام «محكمة العدل الدولية»، ضربةً للكيان على عدة مستويات، كان الأهم بينها فضح صورة الكيان الحقيقية إعلاميّاً وأمام العالم، ولذلك كانت ردة فعل غالبية الإعلام الغربي هو عدم نقل مجريات المحاكمة عندما تكلّم محامو جنوب إفريقيا، في مقابل نقل بعضه لها لدى كلام محامي الكيان. وحتى بعد صدور قرار المحكمة النهائي، انقسم الإعلام عالمياً بين قسم رآه انتصاراً للفلسطينيّين وقضيّتهم العادلة، وآخر رأى أنّه «أنصف» الكيان فيما يخصّ تهمة الإبادة الجماعية! وأيضاً وكما جرت العادة، لعب الكيان دور الضحية، فقد أعلنت قناة i24 التابعة للحكومة الصهيونية أنّ «إسرائيل خسرت»، وقد غلب رأيٌ داخل الكيان وعلى ألسنة قادته وإعلامه بأنّ المحكمة ظلمته، وذهب بعضهم إلى اتّهامها «بمعادية للسامية»!
تتهاوى مصداقية الاعلام الغربي في نظر متابعيه يوماً بعد آخر، وتتهاوى معه ادعاءاته بالحيادية والموضوعية منذ بدء عملية طوفان الأقصى وحتى الآن، وكشف تعامله مع القرار الصادر عن منظّمة أممية لطالما تتشدّق باحترامها، وجهه الحقيقي وانحيازه العنصري لمصلحة كيان ارتكب ويرتكب كل يوم جرائم ضدّ البشر والشجر والحجر أمام أعين الجميع.
كما ظهر انحيازه أيضاً، في طريقة تعاطيه مع قرار بعض الدول وقف تمويل وكالة «الأونروا»، فقد قام بترويج سردية هذه الدول، إضافة إلى سردية الاحتلال حول وجود مقاومين في «حماس» بين موظّفي الوكالة! تبريراً لمخالفة قرارات لا تتماشى مع مصالح الاحتلال حتى لو كانت أممية.

عن غزتنا يتحدثون!

«تعال إلى زيارة غزّة الجميلة. مع شواطئها المذهلة وشوارعها الساحرة: أنت تستطيع أن تقيم في أحد فنادقنا الخمسة نجوم، وتتذوّق أروع ما في الشرق الأوسط من أطعمة». هكذا بثت شبكة «هولو» المملوكة لشركة ديزني فيديو إعلاني مروجاً للاستيطان الصهيوني هذه المرة، ومستعرضاً من خلال استخدامه للذكاء الصناعي، صوراً لشواطئ مذهلة ومبانٍ ضخمة وحدائق..إلخ. ثم يكمل الفيديو الذي نشرته صفحة «عينٌ على فلسطين» (Eye on palestine): «هذا ما كانت غزةُ لتكون عليه لولا وجود حماس»، بعد أن جرى تغيير في الصور والألوان لتصبح مخيفة مع قتامة شديدة في المناخ العام.
وفي السياق نفسه، قام الصهاينة ـ حسب وسائل إعلامهم ـ بنشر خبر مفاده مشاركة أكثر من 12 وزيراً من حكومة العدو الصهيوني، مرفقين بأكثر من عشرين عضواً في كنيست الاحتلال في مؤتمر نظم في القدس المحتلة حمل عنوان «الاستيطان يجلب الأمن». وعرض المجتمعون بهدف جمع أموال ودعم للمنظمات الاستيطانية والدعوة إلى البدء بعملية استيطانٍ جديدة في غزة بعد انتهاء الحرب، صورةً كبيرة لأسماء المستوطنات المزمع إنشاؤها على طول القطاع المحتل والمحاصر.

هكذا تصنع البروباغندا وتنتشر!

لم تنفِ شركة «هولو» أمر الإعلان، بل على العكس اعترفت بوصول عدد كبير من الشكاوى بخصوصه، عقب انتشاره بسرعة كبيرة على مواقع التواصل الاجتماعي وما تبعها من التعليقات المتنوعة والواسعة، ليس من مجرّد مغردين عرب أو فلسطينيين، بل أيضاً من فنانين وناشطين وأفراد حول العالم. أعربوا عن استنكارهم الشديد لما ورد في الإعلان ووصفوه «بتجربة سوريالية مقرفة للغاية.. وأمرٌ مقزز.. إنه مؤلمٌ ومظلم في آنٍ معاً.. الصهاينة صنعوا مجموعة من الفيديوهات بوساطة الذكاء الاصطناعي يلومون بها حماس بدلاً من لوم أنفسهم على تحويل غزة إلى معسكرات اعتقال.. ولكن هكذا تصنع البروباغندا وتنتشر..».
يُظهر العديد من الناس في المجتمع الغربي عموماً والأمريكي بشكل خاص رغبة في معرفة الحقيقة عن القضية الفلسطينية التي طالما صُدّرت لهم وللعالم أجمع بشكل محدد، وقد أظهرت وجهة النظر هذه، التي هيمنت على منصات مثل تيك توك وX وإنستغرام، قوة هائلة في تشكيل الخطاب العام إزاء حرب الإبادة التي يشنها الكيان الصهيوني على قطاع غزة. فلا يمكن لأحدٍ اليوم أن ينكر ما يراه على الشاشات والذي فاق الخيال في ضراوته. استشهاد عائلات كاملة في فلسطين، حيث يخضع جميع أفراد الأسرة للإبادة فيها. أطفال بأحلامهم وتطلعاتهم ومستقبلهم يلقون حتفهم كل يوم، وجوه جميلة لقت حتفها تحت الأنقاض.. لا أضواء في غزة ولا بيوت، لا شواطئ مذهلة ولا شوارع ساحرة ولا فنادق خمسة نجوم. المدينة الجميلة تغرق بالدم، يحاول الاحتلال الصهيوني تحويلها إلى مقبرة مفتوحة تملؤها الجثث.
هذا النوع من الجرائم الذي يعتقد بعضهم أنه ليس ثمة من يحاسب عليه ما زال مستمراً ومدعوماً بشكل واضح من دول الغرب ووسائل الإعلام المعروفة فيه والمهيمنة، ومنها شركات «ديزني» ــ و«هولو» وغيرها. ولكن الحقيقة لها وجه واحد، تتجاوز به كل تلك الأوجه المتذاكية والمتوارية وراء قناع الكذب والمساهِمة في المجزرة والإبادة، فتسقط واحدة تلو الأخرى.
ليست المرة الأولى لإعلام الدجل والكذب، ولكنها ستكون الأخيرة، سيفتح باب الشمس، سيدخل منه الفلسطينيون، أما المذعنون والخائفون والمحايدون فمصيرهم هو الأسوأ.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1160
آخر تعديل على الأربعاء, 14 شباط/فبراير 2024 13:31