أوجاع نساء الشهداء

أوجاع نساء الشهداء

يمكن للمرء أن يكتب صفحات عن القهر الذي يعيشه ويشعر به غالبية السوريين، لأن حزناً نما خلال فترة طويلة في عظام الناس، وأصبحت له تقاليده وكلماته الخاصة. يتفرد فيه الفقراء بالمأساة: العيش تحت خط الفقر بأمتار، خبز رديء، طوابير من الناس يهدرون يومهم للحصول على حاجتهم الأساسية من خبز وغاز ومساعدات.. العيش في العتمة والمرض، وأشكال أخرى من القهر..

وإذا كان هذا حال غالبية السوريين، فكيف بحال من ضحى بنفسه وحياته في الحرب التي طحنت البلاد وماتزال آثارها تطحن العباد، دون أن يرف للمستفيدين منها جفن.
تعاني أسر الشهداء الأمرّين، نفسياً واجتماعياً واقتصادياً. فمعظم الذين استشهدوا ينحدرون من أسر فقيرة، مئات آلاف من الأطفال والأرامل، غالبيتهن شابات يافعات، بدأن مرحلة مريرة من الصراع مع الحياة، زاد من أعبائها اعتمادهن الكبير في الغالب، على الزوج في كل شيء، حتى في العلاقة مع الأطفال، وبعد استشهاده وجدت نفسها أماً وأباً في آن معاً.

الحصة الأكبر من المعاناة للنساء

ثمة الكثير من المشاكل التي تعانيها نساء الشهداء، على رأسها الضغوط الاقتصادية المرهقة، والتي وجدن أنفسهن في لحظة فارقة وحيدات في مواجهتها، ومشاكل تربية الأطفال وحضانتهم، والعجز عن تلبية احتياجات أولادهن، والصراع على الميراث والتعويضات المالية مع عائلة الزوج. فالمبالغ المخصصة لعائلاتهم «على قلتها» غالباً ما تصبح سبباً للخلافات بين الورثة. وأكثر الطلبات التي تتقدم بها نساء الشهداء تتعلق بتأمين مسكن، خاصة بعدما باتت التعويضات لا تكفي حتى لاستئجار منزل.

وهناك تراجع كبير في كل الخدمات، فالسلال الغذائية تناقصت أعدادها تدريجياً، وثمة عائلات لم تحصل على شيء، وتراجعت الخدمات في مدارس «أبناء الشهداء» إضافة إلى «المزايا»، مثل: بطاقة الشرف التي يفترض أن يحصلوا عبرها على خدمات نوعية كدخول المشافي مثلاً بسعر أقل.

«لحم تنهشه الكلاب»

ثمة مشاكل أخرى يتكتم عليها الكثير منهن لاقتناعهن بعدم «جدوى الحديث»، وعدم رغبتهن في استعادة «تفاصيل وذكريات مؤلمة». ومع ذلك تسرّ بعضهن بصوت متقطع من الغضب والقهر، تعرضهن للتحرش أو محاولة الاستغلال الجنسي: «نحن قطعة لحم تهاجمنا الكلاب».
تستنكر عائلات الشهداء ما يشاع من أحاديث يروجها البعض عن الخدمات المقدمة «لذوي الشهداء»، وترى أن هذا الكلام بمعظمه للتسويق الإعلامي، وتلميع صورة المسؤولين، والدليل أن أي زوجة شهيد تطلب استثناءها بأي شيء، أو معاملة يتكرر الجواب ذاته من معظم الجهات وكأنهم متفقون عليه: «ثمة مئات آلاف الشهداء».
إن نقطة الضعف الأساسية، التي تجبر الناس أن يعيشوا بين جدران الوضع القائم هي التي ستدفعهم إلى دائرة الفعل للملمة جراحهم وتحمل المسؤولية وتغيير أوضاعهم.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1145