لماذا يحكمنا الجنون؟ 1 من 2
بيتر فان إلس بيتر فان إلس

لماذا يحكمنا الجنون؟ 1 من 2

لقرون.. كانت السلطة المطلقة والامتيازات المرتبطة بها في أيدي الأرستقراطيين والنبلاء والسلطات الكنسية. كانت إرادتهم هي الحقيقة والقانون. تغير ذلك عندما اندلعت الثورة الفرنسية. (1789-1799) تم استبدال الأفكار القديمة عن الحكم المطلق والأرستقراطية وسلطة الكنيسة بالمثل العليا، بالكلمات التالية: «الحرية والمساواة والأخوة».

ترجمة قاسيون بتصرف

كان للفرد دور مركزي، وللناس الحق في الفردية، والحق في الحرية والاختيار. الحق في أن تكون، أصبحت الـ «أنا» هي المركز. كان رينيه ديسكريتس، الفيلسوف الفرنسي (1596-1650) قد صرح بذلك بالفعل، عندما أدلى بالعبارة التالية: «أنا أفكر، إذاً أنا موجود»، التي أصبحت في عام 2023 هي: «أنا أستهلك، إذاً أنا موجود».
«الحرية» مفهوم نسبي، لأنه لا يوجد استقلال ذاتي حقيقي. الحرية الحقيقية الوحيدة هي الحرية في داخلك. الحرية والاختيار لفعل الشيء الصحيح. تقول (ليا إيبي) في عام 2023، «المساواة» بعيدة كل البعد عن ذلك، والأغنى يزدادون ثراءً، ويزداد عدم المساواة كل عام. «الأخوة» مفهوم منسي في هذه الأوقات، حيث الفردية والأنانية والنرجسية والـ «أنا» والاقتصاد والرأسمالية والليبرالية الجديدة هي الأمور المركزية.
في الماضي، حكم النبلاء والكنيسة بيد قوية- على الرغم من أن الكنيسة كان لها تأثير كبير حتى نهاية الخمسينيات. كان جيلي لا يزال يذهب إلى الكنيسة كل يوم أحد- وكانوا يتمتعون بالحكم المطلق، ولم تكن له حدود. كانت الحدود للبورجوازية فقط. الآن هُدمت تلك الجدران وأصبح هناك المزيد من الحرية للفرد، وتناقصت الحدود وتزايدت اللامحدودية.
رغم أن الأمر يتعلق بشكل أساسي بالعالم الغربي، لكن العالم الغربي كان إلى حد كبير محدداً للعالم. ولا يزال الاقتصاد والمال والسلطة هم الأولوية الأولى، لأن هناك ظاهرة معروفة، وهي أن القوة مَفسدة دائماً.
استولى الإنسان على المؤسسات الكنسية، وأصبح عالماً لـ «سعادته» الخاصة به، وفرديته، وهويته الخاصة، ولكن تلك «الحرية» خلقت أيضاً الفراغ واللامعنى والوحدة، كان على المرء أن يعيد اختراع نفسه. ولكن ألّا يخلق هذا العصر الجديد اضطرابات نفسية جديدة، ومعاناة جديدة؟
الأيديولوجية السائدة حتى يومنا هذا، هي الليبرالية (التي يفترض أن الأصل فيها هو التنوير) سياسياً واجتماعياً. تنعكس «حرية» الفرد، من بين أمور أخرى، في السعي وراء السوق، الذي يجب أن تتبنى فيه الحكومة موقفاً منضبطاً. دخلت مرحلة ما بعد الحداثة إلى مجتمع نيوليبرالي فردي، حيث يكون الجميع بمفردهم في العالم، مع مسؤوليتهم الخاصة، ونجاحهم الخاص، وحيث يمكنك شراء «السعادة» و«الحرية».
بعد زوال السلطات القديمة، بما في ذلك الكنيسة، وخاصة التنشئة التقليدية (حيث شارك كل من الوالدين والعائلات والمجتمع في ذلك)، تغيرت المعايير والقيم والوعي الأخلاقي والأخلاق والحدود، وأصبحت غير واضحة، ولم تعد هناك حدود بعد الآن، لا يوجد حد. أصبح ديننا الجديد يستهلك ويستهلك «مستنيراً» (لملء الفراغ الروحي بداخلنا؟)، حيث أصبح الجشع فضيلة (الجشع خير) ومجتمعنا الرأسمالي يبشر «بالسعادة». وصية جديدة أخرى هي: «سوف تستمتع».
تقول مارغريت تاتشر: «لا يوجد شيء اسمه المجتمع. لا يوجد سوى أفراد».
ومع ذلك، فإن تلك «الحرية» الفردية لها جانبها السلبي، أي زيادة درجة الشعور بالوحدة، والخوف من الهجر، ومشاكل الهوية، والفراغ، وفقدان المعنى. تعد الوحدة، الجسدية والنفسية، واحدة من أكبر مشاكل العالم الغربي في العصر الحديث. بالإضافة إلى ذلك، منذ الستينيات، ازدادت حالات الطلاق بشكل حاد، وأصبح الناس يتزوجون بشكل أقل. يصبح الناس والأطفال والشباب مشردين ومنفصلين، ويبحثون عن أشكال جديدة من المعنى.
وهذا يضع ضغطاً هائلاً على الناس، وخاصة الشباب، الذين نشأوا في ظروف تعليمية ومعيشية وبيئية مختلفة تماماً. إن تطوير الذات وتحقيق الذات ليس طريقاً سهلاً، وإلى جانب ذلك، إذا لم تنجح، إذا لم تكن «ناجحاً»، فهذا خطؤك، في عالم مليء بالأرواح المنعزلة. ومع ذلك، فإن معظمهم ليسوا «ناجحين» وبالتالي يخلق المزيد من الخاسرين، والمتسربين أكثر من الفائزين. غالباً ما يكون قدر الناس أقل لطفاً، ويتم تحديده جزئياً، أيضاً من خلال خلفيتهم. يولد بعض الناس في ظروف جيدة (عائلية)، لكن الغالبية يولدون في ظروف أكثر صعوبة. (مثل: الفقر، والوالدين المطلقين).
يكبر شبابنا مع فكرة أنهم في مركز العالم، وغالباً ما يكبرون بدون شخصية الأب. عندما يتم تربيتهم من قبل كلا الوالدين، يجب عليهم بانتظام تلبية المعايير العالية، وغالباً ما يكونون مدللين، فهم دائماً ما يشقون طريقهم ويحصلون على ما يريدون، فهم مدللون بلا حدود. أصبح التعلق هو الانفصال. لذلك ليس من المستغرب أن يعاني العديد من الأطفال والشباب وكبار السن من الانفصال القلق، والعلاقات الشخصية غير المستقرة ومشاكل الهوية وتقلبات المزاج، وغالباً ما تكون لديهم صورة سلبية عن الذات. إنهم متسرعون ولديهم ميول انتحارية وتشوه نفسي. بالإضافة إلى ذلك، هناك شعور مزمن بالفراغ واللامعنى وبعض الغضب الشديد. وهناك درجة عالية من التوتر / الضغط (الذي يحركه مدى الأداء) الذي يؤثر على الكثيرين. هذه كلها أعراض للاضطراب الحدي، حيث ذهبنا بعيداً، بمفهوم «الحرية» للجميع- للبعض أكثر من الآخرين بالطبع- لمجتمع مريض جداً. لقد ألحق هذا أضراراً بالكثير من الأطفال، وألحق أضراراً كثيرة بالأرواح. نحن ندفع ثمناً باهظاً لحياتنا الممزقة والوحيدة. لكن يمكن أن يزداد الأمر سوءاً دائماً، من السيئ إلى الأسوأ.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1109