الأسطورة الطاجيكية حول نوروز
لؤي محمد لؤي محمد

الأسطورة الطاجيكية حول نوروز

اللغة الطاجيكية قريبة من الفارسية بشكل كبير من ناحية موسيقا اللغة، وفي نفس الوقت، تشترك الطاجيكية مع الكردية الكرمانجية بعدد كبير من الكلمات إلى درجة الثلث تقريباً. رغم أن الفارسية لا تقترب من الكرمانجية بنفس القدر، ولكنها تقترب من الطاجيكية بقدر كبير أكثر من الثلث. كما تتقارب الفارسية بنفس الوقت مع الكردية «السورانية والكورانية» لدرجة التأثير المتبادل بسبب الاتصال المباشر.

ونحن هنا أمام حلقات مفقودة من تاريخ شعوب الشرق عموماً، وتاريخ الشعوب التي انفصلت من نفس المجموعة اللغوية بشكل خاص في الأزمنة القديمة. وخاصة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن النطق عند الإنسان قديم جداً. وحسب فريدريك إنجلس فإن النطق يعود إلى الطور الأول من الوحشية. أما اللغات، فتعود إلى أطوار البربرية عندما بدأت العشائر البدائية تتحد في قبائل، وظهرت اللغات المبكرة عند البشر مع ظهور القبائل.
من يسمع أغاني عيد النوروز باللغة الطاجيكية، سيكتشف أن نصف كلماتها تشترك مع الكرمانجية. والنوروز عيد قديم في تراث شعب طاجيكستان. وهو من أهم الأعياد عند الطاجيك. ومعنى كلمة نوروز باللغة الطاجيكية هو نفس المعنى بالفارسية والكردية «اليوم الجديد». كما أن المحيط الطاجيكي كله يحتفل بهذا العيد الذي هو عيد شعوب كازاخستان وأوزبكستان وقرغيزستان وتركمانستان وأفغانستان وإيران. أي إن نوروز عيد يجمع مختلف الشعوب في الشرق.
تختلف طقوس عيد النوروز من شعب لآخر، وفي طاجيكستان، كان الطاجيك يحتفلون بهذا العيد منذ القديم كعيد رأس السنة الشمسية الذي يصادف يوم 21 آذار يوم الاعتدال الربيعي لذلك فهو عيد الربيع أيضاً. وفي هذا اليوم يزين الطاجيك مائدتهم بسبع مواد وتبدأ المواد السبع بحرف الميم من السمك الأحمر والربيان والمسك والمرطبات ونبات الميسة المحلي والموز وفاكهة محلية خاصة. وكذلك مائدة السينات السبع «هفت سين» التي تضم المأكولات التي تبدأ بحرف السين. ومن أشهر مأكولات النوروز الطاجيكي هو البيض الملون الذي يشبه بيض عيد الفصح عند المسيحيين.
وكان القدماء يحتفلون بهذا العيد في أحضان الطبيعة حيث تعقد الدبكات والاحتفالات بعودة الربيع والحياة وعودة الطبيعة من جديد. واشتهر النوروز عند شعوب آسيا الوسطى كأقدم الاحتفالات وعرف بأوصاف متعددة مثل عيد النوروز والنوروز الجمشيدي ورأس السنة وبداية السنة وعروس السنة وغير ذلك.
كما أن اللغة الطاجيكية تحتوي على عدد كبير من الكلمات العربية، فقصة نوروز تكتب بالطاجيكية «كيساي نافروز». ويدعى تقويم النوروز «نافروز نامه» وهو اسم لكتاب من كتب عمر الخيام الشاعر الفارسي الشهير. واشتهرت قصة شعبية طاجيكية عن رجل كوميدي اسمه فيروز أو ميري نافروز «أمير نوروز».
كان هذا الرجل يرتدي خلال الأعياد قميصاً باللون الأحمر الأرجواني ووجهاً أسود. ويرمز الوجه الأسود إلى مرارة وسواد الحياة اليومية. أما القميص الأحمر فيرمز إلى الفرح والسعادة. وكانت في يده دائرة تعني «دائرة الحياة». لنقل هدايا السماوات إلى الملك والشعب من الملائكة السماوية السبعة.
وفي الاحتفالات القديمة، كان يجري وضع قطعة نقدية من الفضة أو الذهب أمام الملك، محاطة بسبع حبات. وتجمع الحبوب المدرجة في إعداد الخبز حول الأرغفة. بين سبعة أغصان من الزيتون أو الرمان. وكان لكل غصن مزهرية، ولكل فرع اسم أحد الأواني الفارغة. أحضر أمير نوروز هذه الأواني. وأكل من الوجبة المكونة من سبعة أطباق ثم صلى من أجل صحة الملك ومجده.
ورد ذكر أمير نوروز في العديد من النصوص القديمة وكان يعرف أيضاً كشخص كوميدي مهرج يطلق الفكاهات. وقد سلمه الملك سلطة الدولة لعدة أيام أثناء اقتراب العدو. وكان أمير نوروز يلوح بيده، وفي اليد الأخرى يلعب بسيف أبيض في مظاهرة لعودة ميري نافروز / أمير نوروز منتصراً من المعركة وهزيمة العدو. وهناك استقبله الناس بالطبول والأبواق والاحتفالات.
وفقاً للمعتقدات القديمة، تبدأ احتفالات نوروز في آخر أربعاء من السنة الشمسية لمدة 13 يوماً. وتقول الأسطورة إن أمير نوروز قد حكم بدل الملك لمدة 13 يوماً ويصادف اليوم الأخير تاريخ 21 آذار يوم عيد النوروز. وفي ذلك اليوم كان أمير النوروز يدخل إلى أي بيت يريده. حيث كان الناس يتركون أبوابهم مفتوحة في هذا اليوم لجميع الزوار. وكان الحكام والقادة يدعون إلى العدل والصدق. وكان على صاحب المنزل أن يقدم هدية لأمير نوروز. ويعني هذا اليوم السعادة للفتيات، والمزيد من الرزق والعمل والخير للرجال في العام الجديد. وكان اليوم الثاني عشر مخصصاً للاحتفال مع العائلة. واليوم الرابع لأقارب الملك وكبار المسؤولين وقادة الجيش. واليوم السادس لتكريم النبلاء والمستشارين في البلاط. أما بالنسبة للأطفال، فكان النوروز يعني الحصول على الهدايا لمدة 13 يوماً.
أما أسطورة النوروز الجمشيدي عند الطاجيك القدماء فتتعلق ببداية وضع التقويم، وتعود إلى زمن كان فيه الملوك يطلقون على أنفسهم لقب ملوك جهات العالم الأربع في الألف الثالث قبل الميلاد. وتقول الأسطورة. إن الملك جمشيد ملك جهات العالم الأربع هو من اكتشف عيد النوروز. وجاء أحدهم إلى الملك يطلب منه أن يطلق الأسماء على أيام وأشهر السنة وأن يصنع التاريخ والتقويم حتى يعرفه الناس.
وفي ذلك اليوم شاهد الناس صباحاً أن الشمس قد دخلت الدقيقة الأولى. فاجتمع القدماء وأمروا ببدء التاريخ من هناك. واجتمع حكماء العالم وصنعوا التاريخ. والأيام الـ 13 ترمز إلى 13 من الملائكة. منهم 4 ملائكة مقيمين في السماوات لحراسة السماء. و4 ملائكة في جهات الأرض الأربعة يمنع عليهم تجاوز جبل الهلاك. وكان الملائكة يسيرون في السماء والأرض لطرد الأشرار من العالم.
عرف التراث الطاجيكي القديم أسطورتين شهيرتين حول عيد النوروز، أسطورة أمير النوروز المنتصر على الأعداء وأسطورة النوروز الجمشيدي التي تتعلق بواحدة من تقاويم الشرق القديمة. وتختلف أسطورة عيد النوروز من بلد لآخر، ولكن هذا الاختلاف قد جمع شعوباً كثيرة حول ثقافة متشابهة في المحتوى ومختلفة في بعض الحكايات والفصول التي لا تعود إلى زمن واحد، بل إلى أزمنة مختلفة متباعدة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1062