الشعوب العربية وجمهورية السوفييتات

الشعوب العربية وجمهورية السوفييتات

استقبلت البلدان العربية أخبار ثورة أكتوبر الاشتراكية ونشوء جمهورية السوفييتات بحماس كبير، ولعبت الثورة الاشتراكية والجمهورية السوفييتية الناشئة في دفع الحركات الوطنية لشعوب الشرق إلى الأمام.

فتحت ثورة أكتوبر الاشتراكية العظمى أول شرخ ضخم في نظام الإمبريالية العالمي. ونتيجة لثورة أكتوبر، تكونت جمهورية السوفييتات التي أصبحت منذ اليوم الأول من ظهورها سنداً وشعلة لكل شعوب المستعمرات في آسيا وإفريقيا والبلدان العربية.
وحاول المستعمرون والمستبدون منع وصول أخبار ثورة أكتوبر، ولكنها تسربت إلى سورية والعراق عن طريق خط الجبهة القفقاسية حيث كان يتجابه الجيشان التركي والروسي حتى خانقين قرب السليمانية في شمال العراق. وكان يوجد الكثير من العرب في الجيش التركي. وفي جنوب العراق تسربت هذه الأفكار من الهند وإيران عن طريق الهنود الذين يشكلون أكثرية الجيش البريطاني. (تاريخ الأقطار العربية المعاصر، ص 22-23).
في عداد البحارة الفرنسيين الذين كانوا في البحر الأسود والذين انتفض قسم كبير منهم لدعم السلطة السوفييتية ورفعوا العلم الأحمر فوق الأسطول الفرنسي، كان يوجد العديد من الجزائريين، ومنهم الحاجي عمر من وهران الذي حمل إلى الجزائر أول خبر عن الثورة (العربي بوهالي، ثورة أكتوبر الاشتراكية والحركة الوطنية في الجزائر، موسكو 1957 ص15).
لقد كان تأثير ثورة أكتوبر الاشتراكية العظمى قوياً على سورية لدرجة أن الملك فيصل قد صرح رسمياً في حديث له مع الصحافة الفرنسية «يوماً بعد يوم يزداد عدد أنصار البلشفية في البلاد». مجموعة مقالات عن علاقات الصداقة السوفييتية العربية موسكو 1961 ص 8.
وترى حكومة لينين وأصدقاؤه والثورة العظمى التي قاموا بها من أجل تحرير الشرق من نير الطغاة الأوروبيين بأن العرب قوى عظمى وأن الثورة قادرة على منحهم السعادة والرفاه، فالسعادة والهدوء في العالم بأسره متعلقان بتحالف العرب والبلاشفة. عاش لينين وأصدقاؤه والسلطة السوفييتية. هذا ما كتبه إنسان مجهول الاسم من لجنة توحيد العرب في سورية. والفقرة مأخوذة من كتاب مجموعة مقالات بعنوان «أكتوبر العظيم وشعوب الشرق، ص 37».
وكان لمرسوم السلام، ونداء لينين إلى المسلمين، وفضح الاتفاقيات الاستعمارية السرية مثل سايكس بيكو، تأثير كبير على صعيد تعاظم الحركة الوطنية في البلدان العربية. وتبادل إبراهيم هنانو الرسائل مع لينين من أجل تفجير نار الثورات ضد المستعمرين. وبعد أن أعلن هنانو الثورة أرسل بيانه المشهور إلى قناصل الدول الأجنبية جاء فيه: «نحن السوريين نموت ونتبلشف ونجعل البلاد رماداً ولا نخضع لحكم الظالمين».
تبادل سعد زغلول أحد أبرز قادة ثورة 1919 المصرية الرسائل مع لينين حول تفجير الثورات ضد الاستعمار. بل كان تأثير ثورة أكتوبر على مصر كبيراً لدرجة أن الفلاحين المصريين شكلوا هيئات ثورية قروية عام 1919 أطلقوا عليها اسم السوفييتات. وكانت الصحافة المصرية تنشر أخبار ثورة البلاشفة على صفحات مجلاتها وجرائدها المشهورة رغم محاولة الإنكليز منع تسرب أخبار الثورة عن طريق الصحافة الأوروبية. وقد جمعت ثورة 1919 في مصر بين المطالب الوطنية ومطالب العمال والفلاحين.
وقدم حاكم كركوك البريطاني الميجر سون تقريراً حافلاً عام 1919 يقول فيه: إن مبادئ البلشفية تصبح معروفة للأسف عن طريق جرائد كركوك. وألقى الفرنسيون على البلاشفة مسؤولية نهوض الحركة الوطنية في الجزائر. وطالب الفلاحون السوريون واللبنانيون معاملتهم مثل روسيا السوفييتية. وعندما فرض البريطانيون نظام الانتداب على العراق، نظم معروف الرصافي قصيدة يقول فيها: علم ودستور ومجلس وأمة، كل عن المعنى الصحيح محرفُ، للإنكليز مطامع ببلادكم، لن تنتهي إلا أن تتبلشفوا. (تاريخ الأقطار العربية المعاصر ص 30-31).
كانت ثورة أكتوبر تلهم الملايين في مصر وسورية والعراق وبقية البلدان العربية. وكتب الصحفي اللبناني سليم نجار في العشرينات: أن الثورة الروسية قد عززت بين العرب فكرة الاستقلال. وقال أحد معاوني عبد الكريم قائد ثورة الريف: لقد تحررت روسيا من الظالمين ونحن نسير على خطاها. وكانت حركة الإضرابات حركة واسعة في مصر والجزائر وتونس بين عامي 1919-1921. حتى أن بعض الصحف في ذلك الوقت، أطلقت تهمة البلشفية على ثورة الشيخ صالح العلي والثورة السورية الكبرى مثل جريدة الدفاع السورية وزحلة الفتاة. وذكر سلامة عبيد في كتابه عن الثورة السورية الكبرى أن أحد أسبابها السياسية الخارجية هي تأثير الحركات البلشفية الثورية في بعض الأوساط.
بشكل عام تميزت سنوات 1918-1927 في العالم العربي باشتداد المقاومة الشعبية: ثورة 1919 في مصر والمقاومة ضد نظام الحماية حتى 1922. وفي سورية اشتعلت عشرات الثورات مثل ثورة الساحل وثورة الشمال وثورة حوران. وفي العراق انتفاضة النجف ضد الإنكليز عام 1918 والانتفاضة الكردية في السليمانية عام 1919 التي كان قائدها محمود الحفيد يتبادل الرسائل مع لينين. الثورة العراقية الشاملة عام 1920، الثورات في البحرين وعدن وعمان سنوات 1918-1920، والاضطرابات في السودان 1921، وإعلان الجمهورية والثورة في الريف المغربي 1921-1926. (تاريخ الأقطار العربية المعاصر ص 30-31).

معلومات إضافية

العدد رقم:
1050