ميكي ماوس وبينوكيو وإضراب العمال..

ميكي ماوس وبينوكيو وإضراب العمال..

قبل ثمانين عاماً، أعلن عمال أفلام الكرتون الإضراب عن العمل، وأدى إضراب رسامي وعمال الرسوم المتحركة من ديزني، الذي بدأ في أستوديو كاليفورنيا في 29 أيار 1941، إلى تغيير معايير العمل في هذه الصناعة، وألهم العاملين الآخرين في المجال الثقافي لانتزاع المزيد من الحقوق من أرباب العمل.

اختلف هذا الإضراب عن إضرابات عمال المناجم والمصانع والمزارع بشيءٍ فريد. إذ طبع المضربون شعاراتهم على صور أبطال أفلام الكرتون الشهيرة، مثل: «ميكي ماوس وغيره». وشاهد الناس في شوارع كاليفورنيا ميكي ماوس مطالباً بحقوق العمال.

قصة صعود وهبوط الأجور

قبل سنوات قليلة من الإضراب، لم تتمتع والت ديزني بالنجاح التجاري فحسب، بل بقوى عاملة أجورها أعلى نسبياً من بقية القطاعات. وكان فيلم «بياض الثلج والأقزام السبعة» الذي عرض لأول مرة عام 1937، بمثابة سحق لشباك التذاكر. وتمت مقارنة عمل ديزني بعمل تشارلي شابلن من حيث أهميته للثقافة الأمريكية.
كان موظفو ديزني من بين أفضل الموظفين أجراً، وتمتعوا ببيئة عمل جيدة نوعاً ما. وشاركهم ديزني بنسبة 20% من الأرباح كمكافآت. وكان لدى الأستوديو مدرسة فنية داخلية لتدريب رسامي الرسوم المتحركة.
غيرت الحرب العالمية الثانية الوضع بشكل كبير. في عام 1937، بدأت ديزني في بناء أستوديو في بربانك، كاليفورنيا، بتمويل من الائتمان مع افتراض استمرار النجاح. لكن الحرب دمرت السوق الأوروبية لأفلامه. كان بينوكيو في شباك التذاكر عند بدء الحرب عام 1940، وسرعان ما أصبحت ديزني مدينة بقيمة 4,5 ملايين دولار.
سعى والت ديزني إلى تعويض هذه الخسائر بقضم أجور العمال، وسرعان ما اختفت تلك «البيئة الجيدة للعمل»، وأنشأ تسلسلاً هرمياً صارماً، وذهبت الفوائد لقلة من الناس. وقام معظم الفنانين الجدد بمهام روتينية مملة وحصلوا على 20 دولاراً في الأسبوع، بينما كان على كبار الفنانين القيام بمزيد من الأعمال الإبداعية، ويمكن أن يكسبوا ما يصل إلى 250 دولاراً في الأسبوع.
كما أُجبر العمال على التوقيع على وثائق تزعم أنهم يعملون أربعين ساعة فقط في الأسبوع، في حين أنهم في الواقع يعملون أكثر من ذلك بكثير. وأراد رسامو الكارتون الحصول على اعتمادات احترافية لأعمالهم، حيث زعموا أن ديزني غالباً ما تنسب الفضل لنفسها.
شعر الجميع بأن الاتحاد أصبح ضرورة، ويجب القتال لحماية الأجور واستمرار دفع الرواتب. وفي عام 1941 بدأت نقابة رسامي الأفلام الكرتونية تدعو للاجتماع وتقديم المطالب في ديزني وبقية الاستوديوهات.

ميكي ماوس يتحرك

حاول أرباب العمل استمالة العمال الغاضبين، وخداعهم بالوعود «الوعود الكاذبة هي أشهر خدعة لأرباب العمل والحكومات في خداع العمال»، وطالبوا العمال بالمزيد من الإنتاج، ولكن العمال الغاضبين قرروا الإضراب وبدء التحرك الفعلي.
غادر حوالي نصف الرسامين البالغ عددهم حوالي 1000 رسام. وفي اليوم الأول، التقطت ديزني صوراً لخط الاعتصام، وصور العمال الذين جاؤوا إلى الأستوديو لتوثيق المحرضين.
لم يكن لدى العديد من العمال خبرة في الحركة العمالية، ولم يفهموا ببساطة مدى شدة الصراع بين العمل ورأس المال الذي اختبروه لأول مرة بهذا الشكل، وكرس الرسامون خبرتهم الفنية لصنع لافتات الإضراب ضد ديزني مصحوبة بصور أشهر الشخصيات الكرتونية.
تدفق التضامن من النقابات الأخرى في صناعة الترفيه. ودعمت جمعية محرري أفلام الصور المتحركة الإضراب برفضها معالجة أفلام ديزني في معامل تكنيكولور وويليامز وباثي. وقامت المنظمات الداعمة، مثل: رابطة النساء وجمهور فيلم من أجل الديمقراطية باعتصام في المسارح التي تعرض أفلام ديزني. وأعاد رسامو الكاريكاتير التضامن مع النقابات الأخرى، على سبيل المثال: وضعت لافتات تضامن مع إضراب عمال السيارات في لوس أنجلوس.
مع استمرار الإضراب، اعتبرت ديزني الإضراب كاعتداءٍ شخصي، وعلى الرغم من وجود عدد قليل جداً من اليساريين في نقابة رسامي أفلام الكرتون، فقد نشرت ديزني رسالة تدّعي فيها أن «التحريض الشيوعي والقيادة والأنشطة الشيوعية هي التي أدت إلى هذا الإضراب».
كان هتلر الصناعة والمال الأمريكي «روكفلر» يدعم والت ديزني، ويسيطر في الوقت نفسه على نصف النقابات الأمريكية، وقد بدأ بحشد نقاباته ضد إضراب رسامي أفلام الكرتون، وإضراب عمال السيارات. ودخلت وزارة الخارجية الأمريكية على الخط باتصالها بنقابات أمريكا الجنوبية المرتبطة بها لمنع التضامن مع المضربين.
نتج عن الإضراب مفاوضات واشنطن التي أعادت العمال المفصولين قبل الإضراب مع منع فصلهم بشكل دائم، وجرت معادلة الأجور ونظام دفع الرواتب ونظام التصنيفات وإجراءات التظلم.
أدى إضراب عام 1941 إلى تغيير معايير العمل في صناعة الرسوم المتحركة. بالنسبة للعديد من الفنانين الأصغر سناً، تضاعفت رواتبهم، وتم تحديد أسبوع عمل لمدة أربعين ساعة فقط. واختفت ساعات العمل الإضافية المجانية، واستطاع العمال انتزاع مجموعة من المكاسب، مثل: راتب التقاعد وبعض مزايا التأمين الصحي، ووضعت أسماء الرسامين لأول مرة بجانب أعمالهم.
الرسوم المتحركة الحمراء
فتح الإضراب آفاقاً جديدة لتنظيم العاملين في المجال الثقافي والاجتماعي والرسوم المتحركة، وعقد مؤتمر نقابات الأستوديوهات الذي بحث أوضاع عمال هوليوود وتوحيد عمال مختلف الحرف.
كان رسامو الأفلام المتحركة الشباب الذين شاركوا في الإضراب من الجيل الذي شكله الكساد العظيم. لقد نظروا إلى فنهم من خلال عدسة الوعي الطبقي ورؤية اجتماعية أوسع. وكان بعضهم قد اجتمع في أواخر الثلاثينات من القرن الماضي في مجموعة صغيرة من رسامي الأفلام المتحركة الكرتونية التابعين للحزب الشيوعي، والمتأثرين بشدة بالحداثة السوفييتية ودرس الكثير منهم في لينينغراد.
حتى إن بعضهم، مثل: أوجز هوبلي قد اقترح في مؤتمر كتاب جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس عام 1943 أن تتبع الرسوم المتحركة مسار تشارلي شابلن، واستخدموا نفس الرموز الكاريكاتورية والاجتماعية في أعمالهم.
كانت هذه المبادرات انعكاساً لعصر كانت فيه الانتفاضات النقابية الصناعية تُشعر العمال الفنيين بإحساس أكبر بسلطتهم ومسؤوليتهم الاجتماعية. ونظراً لأن الصناعات الثقافية تهيمن بشكل متزايد على الحياة اليومية في ظل النيوليبرالية، فإن هذا المنظور مطلوب الآن أكثر من أي وقت مضى.

*نقلاً عن مقال «قبل ثمانين عاماً من اليوم، أضرب عمال أفلام الكرتون المتحركة» المنشور في مجلة جاكوبين بتاريخ 29 أيار 2021. بقلم باول بريسكود، أستاذ الدراسات الاجتماعية في المدرسة الثانوية وعضو نقابة المعلمين في فيلادلفيا.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1020