في ذكرى قائد الثورة السورية الكبرى
تايه الجمعة تايه الجمعة

في ذكرى قائد الثورة السورية الكبرى

بتاريخ 26 آذار 1982، رحل عن عالمنا سلطان باشا الأطرش قائد الثورة السورية الكبرى، أو «قائد جيوش الثورة الوطنية السورية العام» كما كان اللقب الذي يوقع به نداءات الثورة. وتحول هذا اليوم إلى مناسبة وطنية لإحياء ذكرى سلطان باشا الأطرش والثورة السورية الكبرى.

الثورة والأزمة الرأسمالية

جاء انفجار الثورة السورية الكبرى أثناء انحسار موجة الثورات العمالية في أوروبا، وثورات التحرر الوطني في المستعمرات. وكانت الصحافة الرأسمالية والاستعمارية تقول: إن الثورات قد انتهت. وعرفت تلك السنوات باسم: الاستقرار الجزئي للرأسمالية.
وتزامن اندلاع الثورة عام 1925 مع اندلاع الثورة الصينية وثورة الريف المغربي، والانتفاضة الإندونيسية ضد الاستعمار والإمبريالية. وعرفت الأممية الشيوعية بعد هذه الثورات اقتراب موعد الأزمة الرأسمالية، والتي انفجرت فعلاً عام 1929.
فالانحسار في موجة الثورات والحركات الشعبية كان مؤقتاً، بل إن المرحلة العامة تاريخياً هي مرحلة صعود الثورات والحركات الشعبية في العالم الرأسمالي والمستعمرات على حد سواء.
إن البؤس والإملاق والجوع والبطالة والظروف السيئة في كل مكان، أدى إلى تصاعد النضال الجماهيري. فقد حدث حوالي 11800 إضراب للطبقة العاملة في المستعمرات وشبه المستعمرات، بين عامي 1919-1939. حيث وقفت الطبقة العاملة ضد الاضطهاد الاستعماري. وهنا موقع الثورة السورية الكبرى ضمن الخريطة العالمية لنضال الشعوب.

من ميسلون إلى الجلاء

سبق اندلاع الثورة السورية والكبرى، حدوث العشرات من الثورات الكبيرة والصغيرة في جميع أنحاء سورية ولبنان والعراق وفلسطين والأردن ومصر بين عامي 1918-1923. مثل: ثورة إبراهيم هنانو في الشمال، وثورة الشيخ صالح العلي في الساحل، وثورات حوران والفرات والجزيرة والجولان وثورة العشرين في العراق، إضافة إلى ثورات مستعمرات آسيا وإفريقيا بعد الأفق الذي فتحته ثورة أكتوبر لشعوب العالم.
قبل 100 عام كان النضال الوطني ضد الاستعمار والإمبريالية يتصاعد في سورية ولبنان. والثورات الوطنية تشتعل في الأنحاء السورية 1918-1923. وكما انتصرت الثورة السورية الكبرى لوزير الحربية يوسف العظمة وأبطال ميسلون والثورات السورية السابقة، فهي من مهدت لانتصار الشعب السوري في الإضراب الستيني 1936، وعبدت درب الانتصار في انتفاضة الجلاء 1945، والتي انتهت برحيل آخر جندي أجنبي استعماري عن أرض سورية عام 1946. وهنا موقع الثورة السورية الكبرى في التاريخ الوطني.

محطات من حياة قائد الثورة

عند الحديث عن قائد مثل سلطان باشا الأطرش، يتجاهل المؤرخون عمداً أو جهلاً محطات عديدة من حياة «قائد جيوش الثورة الوطنية السورية العام». أو يحاولون تشويه صورته وتراثه وإلصاق مختلف التسميات التي لا تمت بصلة إلى هذا القائد الوطني. ولندع الوقائع تتحدث عن نفسها باختصار:
شارك سلطان باشا الأطرش في النضال ضد العثمانيين، وقاد ثورة السويداء عام 1922 والثورة السورية الكبرى سنوات 1925-1927 ضد الاستعمار الفرنسي.
نزح عام 1927 إلى الجزيرة العربية بعد انحسار الثورة، وعاد بعد انتصار الإضراب الستيني إلى بلاده. حيث استقبله الآلاف استقبال الأبطال في دمشق والسويداء عام 1937. وأثناء انتفاضة الجلاء وحوادث 29 أيار 1945 في دمشق، انتقلت العاصمة السورية مؤقتاً إلى السويداء، حيث جرت حركة 29-30 أيار في السويداء، التي لعبت دوراً وتأثيراً في تحقيق الجلاء. وتطوع أبناء الجبل للتصدي للاستفزازات الاستعمارية في طرطوس واللاذقية وتدمر وغيرها من المناطق السورية. وحدث الجلاء في نيسان 1946.
وفي عام 1948، استجاب المئات من أبناء الجبل لنداء سلطان باشا الأطرش، وذهبوا للقتال في فلسطين ضد الاستعمار البريطاني والعصابات الصهيونية، وقد استشهد العديد منهم.
في عام 1953، اتفقت الأحزاب الوطنية والمستقلون على تأليف جبهة وطنية للنضال ضد استبداد الشيشكلي، وشارك سلطان باشا الأطرش عبر ممثلين ينوبون عنه في مؤتمر حمص، حيث كانت مختلف الأحزاب والهيئات السياسية تتصل به في القريا. وتصاعدت الحركة الشعبية في جميع أنحاء سورية بعد قمع الإضرابات الطلابية في حلب. ونزل العمال إلى الشوارع في دمشق وحمص وحلب. وأدى مؤتمر حمص إلى توقيع ميثاق وطني بمثابة برنامج للجبهة الوطنية.
حدثت ثورة في السويداء بقيادة سلطان باشا الأطرش، مما أعطى الحركة الشعبية المتصاعدة وزناً أكبر. وأرسل الشيشكلي حملة عسكرية إلى السويداء والجبل شتاء 1954 سقط على إثرها عدد من الشهداء والجرحى وحدث نهب في القرى. واضطر سلطان باشا الأطرش إلى النزوح إلى الأردن تحت الأمطار الغزيرة والثلوج الهاطلة. غادر الشيشكلي البلاد، فعاد سلطان باشا الأطرش بعد أسابيع إلى بلاده، حيث استقبلته الجموع استقبال الأبطال مرة أخرى.
أثناء العدوان الثلاثي على مصر 1956، أعلن سلطان باشا الأطرش موقفه المؤيد للنضال ضد الاستعمار والصهيونية في رسالة إلى الرئيس شكري القوتلي، كما وقف ضد مؤامرات حلف بغداد 1956، وأيد تسليح الشعب وتشكيل المقاومة الشعبية للوقوف في وجه هذه المؤامرات. وأثناء الحشود التركية والأطلسية ضد سورية عام 1957، سافر شكري القوتلي إلى السويداء لإطلاق المقاومة الشعبية. حيث زار منزل سلطان باشا الأطرش في القريا وخطب فيه قائلاً: إن هذا البيت مكان مقدس، وهو ليس قبلة بني معروف فحسب، بل قبلة كل من جاهد في سبيل هذا الوطن لرفع رايته عالياً، كما تحدث عن الثورة السورية الكبرى عام 1925 التي كان هو من رجالها.
وعندما اندلعت ثورة لبنان ضد حلف بغداد عام 1958، أيدها سلطان باشا الأطرش، وسافر العديد من متطوعي السويداء والجولان وجرمانا للمشاركة فيها.

المراجع التاريخية عن الثورة

نرفق أهم المراجع التاريخية التي تتحدث عن الثورة السورية الكبرى التي هزت كيان الاستعمار الفرنسي، وأوقعته في أزمة داخلية:
الثورة السورية الكبرى كما سردها قائدها العام سلطان باشا الأطرش، دار طلاس 2008.
الدكتور عبد الرحمن الشهبندر، ثورة سورية الكبرى، أسرارها وعواملها ونتائجها، دار الجزيرة، عمان.
محي الدين السفرجلاني، تاريخ الثورة السورية، 1961.
أدهم آل الجندي، تاريخ الثورات السورية في عهد الانتداب الفرنسي، 1960.
فلاديمير لوتسكي، الحرب الوطنية التحررية في سورية 1925، ترجمة دار الفارابي 1987.
سلامة عبيد، الثورة السورية الكبرى على ضوء وثائق لم تنشر.
إحسان هندي، كفاح الشعب العربي السوري، 1962. فارس زرزور، معارك الحرية في سورية، 1962. أرشيف جريدة الأومانيتيه الفرنسية اليومية 1925-1927. مذكرات فوزي القاوقجي، مذكرات فارس الخوري.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1011
آخر تعديل على الإثنين, 29 آذار/مارس 2021 15:06