كيف اشتعلت انتفاضة الجلاء؟

كيف اشتعلت انتفاضة الجلاء؟

اشتعلت انتفاضة الجلاء في أيار 1945، وفي هذه المعارك، انتصر الاتحاد السوفييتي لسورية ولبنان، وطالب المندوب السوفييتي في مجلس الأمن برحيل كل القوات الأجنبية عن سورية ولبنان دون قيد أو شرط.

معارك 29 أيار

بعد النصر على الفاشية مباشرة، ارتفعت الأصوات تطالب بالجلاء الفوري والتام لجميع القوات الأجنبية، وصعدت المقاومة نشاطها منذ 19 أيار 1945، واندلعت الانتفاضات الشعبية في كل المدن السورية حتى بدأ الاستعمار بقصف مدينة دمشق، وباقي المدن بشكل وحشي يوم 29 أيار 1945، ومنها: قصف البرلمان السوري بعد رفض حاميته إنزال العلم السوري وتحية العلم الفرنسي. واستشهد من السوريين المدافعين عن البرلمان الذين كان عددهم ثلاثين، استشهد ثمانية وعشرون مقاوماً بينهم الوكيل طيب شربك والمفوض سعيد قهوجي، وبقي اثنان من عناصر أمن المجلس النيابي.
ومع بزوغ صبيحة اليوم التالي، كان العدوان الفرنسي مستمراً في تدمير مدينة دمشق، وصبت المدفعية والدبابات والرشاشات حممها على المدينة. اشتعلت الحرائق في كل مكان، وامتدت من شارع رامي الذي التهمته النيران بأكمله، إلى المرجة التي احترقت حوانيتها ومكاتبها، وفي ناحية أخرى كان شارع النصر قد شاعت فيه النيران وصولاً إلى الشوارع المجاورة، وشبّ حريق كبير آخر في زقاق المغسلة وامتد إلى شارع فؤاد الأول حتى بوابة الصالحية كذلك شبت النار في العصرونية وسوق الخياطين، فالتهمت عشرات المخازن والحوانيت والكراجات على ضفة بردى ودمرتها بالكامل.
واندلعت أعمال المقاومة في جميع أنحاء سورية ترد على العدوان الفرنسي الشرس، فشهدت أنحاء سورية بشمالها وجنوبها وشرقها وغربها أعمالاً بطولية عظيمة، فقد هُزمت القوات الفرنسية في حوران السهل والجبل والجزيرة العليا، كما أظهرت حماة مقاومة ضارية وأوقعت الهزيمة بالقوات الفرنسية، وتمكنت من قتل قائدها والكثير من جنودها، وأسرت العديد منهم وتم إسقاط طائرتين حربيتين، وفي دير الزور حوصر الفرنسيون في ثكناتهم وهاجم أفراد الشعب كافة المراكز العسكرية في المدينة ودمروها، وكذلك في حلب واللاذقية، كما التحق حوالي 70 % من ضباط القطعات الخاصة و40 % من الجنود بقوى الدرك الوطنية وانضموا إلى قوى الشعب.

صور من نضال السوريين

تطوع آلاف الوطنيين في فصائل الدرك التي كان عليها أن تحمي مؤسسات الدولة، مثل: البرلمان والسراي وغيرها من عدوان محتمل من قبل المستعمرين. وفي الوقت نفسه بدأ يتشكل جيش التحرير الوطني وتطوع الآلاف في صفوفه للقتال من أجل استقلال الوطن، واجتاحت المظاهرات الضخمة سائر المدن، والتي كانت تنتهي بالاصطدامات الدموية مع القوات الاستعمارية. وفعلاَ قامت هذه الفصائل بدور هام ودافعت عن بناء البرلمان ضد الهجوم الذي شنه الجنود الفرنسيون.
وفي هذه الفترة بلغ كفاح شعب سورية ولبنان من أجل سحب القوات الأجنبية أعلى مرحلة من الغليان، وفي اللحظات الحاسمة، قامت فصائل الدرك والمقاومة الشعبية، بالوقوف إلى جانب الشعب ودافعت عن البرلمان والمؤسسات الحكومية الأخرى ضد هجوم القوى المسلحة للإمبرياليين الإنكليز والفرنسيين.
وفي دمشق، قدم 25 أرمنياً أسماءهم للتطوع في الدرك الوطني وفصائل المقاومة الشعبية، بينهم أرتين مادويان والدكتور مانوشاكيان والعامل نزاريت أبوفيان، كما انضم الطلاب إلى حركة التطوع الشعبي، وتألفت الوحدات على قدم وساق لمواجهة الاستعمار الفرنسي ومن أجل استقلال سورية وجلاء القوات الأجنبية، واستنكرت أبرشية الأرمن في دمشق الأعمال الوحشية للاستعمار الفرنسي. كما تطوع أنباء الأحياء الدمشقية في الميدان وركن الدين والشاغور وغيرها لتحرير البلاد.
وخلال 3 أيام كان الجيش السوري الموجود حول دمشق قد انضم للمقاومة الوطنية بعد تصفية الضباط الفرنسيين، واندلعت صدامات دامية بين الجماهير المسلحة والشرطة والجنود السوريين وبين الاستعمار. ولعب الضباط والجنود الأرمن دوراً كبيراً في معارك 29 أيار، وكان لقوات الدرك يقودها العميد هرانت بك مالويان دور محوري في الدفاع عن دمشق والبرلمان. في تلك الأثناء راحت المدفعية الفرنسية تقذف دمشق بالطائرات والمدفعية، وقصفت قلعة دمشق حيث كان هرانت مع مجموعة من الدرك، ونتج عن هذا القصف الشديد هدم العديد من الأبنية ومهاجع السجن في القلعة، وظلت الجثث تحت الأنقاض، وأصيب بجروح إثر ذلك قائد الدرك السوري هرانت بشظايا القنابل في صدره وأنحاء جسمه، كما أصيب عدد من الوطنيين الموجودين في القلعة. واستطاع سعد الله الجابري أحد الشخصيات الوطنية من النجاة من القصف الفرنسي بصعوبة بالغة.
صرح رئيس مجلس الوزراء آنذاك في اجتماع صحفي: إن مديرية الصحة في دمشق أصدرت تقريراً رسمياً جاء فيه:
إن عدد القتلى من المدنيين بدمشق بلغ 600 شهيد، وأن الجرحى والمشوهين بلغوا 500 جريح، والذين أصيبوا بجراح يمكن معالجتها بلغوا 1000 جريح، وهناك 120 شخصاً من الدرك بحكم المفقودين أما الخسائر المادية فهي جسيمة جداً.
وفي صفوف الحركة الطلابية، تطوع طلاب جامعة دمشق في صفوف الفصائل الوطنية، بينهم العديد من العراقيين واللبنانيين والأردنيين، مثل: رياض حولا وقصدي الشهال ونزيله مظلوم ونبيه رشيدات ومحمد حوراني ووديع برقان، وجواد العبادي، والسوريون، مثل: مصطفى العشا وإلياس ورد وعدنان المحمود وفيليب عجلوني وغيرهم.
وفي كسب شكل الوطنيون فصائل المقاومة الشعبية لطرد الفرنسيين بالقوة واستسلمت لهم المفارز الفرنسية، وشارك بعض أبناء كسب في معارك حي القلعة بمدينة اللاذقية. كما تطوع بعض الرفاق لحراسة مكتب الحزب بلباس الدرك، مثل: مراد القوتلي ويوسف الفيصل وغيره، وكان الناس يلقبون الحزب الشيوعي باسم «حزب الجلاء». واستشهد ابن مدينة السقيلبية عارف العبد الله اغتيالاً على يد الاستعمار، بسبب دوره في تحرير دير الزور ورفع العلم السوري فوق الأبنية الرسمية.
وفي الجزيرة السورية، حاصر الوطنيون ثكنات الدرباسية والقامشلي وغيرها، وفي مدينة حماة اندلعت معارك عنيفة انتهت بطرد الاستعمار والاستيلاء على المدرعات الفرنسية، واندلعت المواجهات ومعارك المتاريس في حلب وإدلب وعين العرب والرقة والضمير حتى تحرير آخر بقعة من الوطن.

معلومات إضافية

العدد رقم:
967
آخر تعديل على السبت, 30 أيار 2020 13:52