قصتان للعام الخامس والتسعين
جمال جركس جمال جركس

قصتان للعام الخامس والتسعين

في البدء كان الاجتماع الأول. في البدء كان نضال الشعب السوري قبل أي اعتبار. في تشرين الأول من عام 1924، وعشية الثورة السورية الكبرى ضدّ الاستعمار، أعلنت القافلة الأولى بدء المسير إلى الأمام.

صور الصحافة

صورتان تعودان إلى النصف الثاني من ثلاثينات القرن العشرين، الأولى في دمشق 1937 لشبّان دمشقيين متطوعين بلباسهم الشعبي الفقير وهم يوزعون صحفاً شيوعية في الأسواق. والثانية لرجل دين بلباسه الشعبي وهو يقرأ صحيفة شيوعية في ريف مدينة الباب عام 1938.
تكشف الصورتان عن الأوساط الشعبية التي احتضنت الشيوعيين ووزعت صحفهم وخبأتهم زمن الملاحقات. ولعل أكثر الطرائف التي رافقت توزيع الصحف الشيوعية قول والدة الأديب الراحل حنا مينه إن أبنها مجنون فهو يبيع الجرائد في اللاذقية ببلاش!
لا توجد صحافة في سورية القرن العشرين تعرضت للملاحقة والإغلاق والتضييق، أو واجه محرروها وموزعوها السجن والتنكيل مثل ما تعرضت له الصحافة الشيوعية في جميع العهود.
فعشية اندلاع الثورة السورية الكبرى، وفي فترة تصاعد حركة الإضرابات العمالية في سورية ولبنان، صدرت من بيروت بتاريخ 15 أيار 1925 أول جريدة شيوعية في سورية ولبنان.
كُتب في أعلى الصفحة الأولى: «الإنسانية هي جريدتك أيها العامل، فاقرأها وأعطها لغيرك ليقرأها، اتحدوا أيها العمال». وعرفت الجريدة نفسها بهذه الكلمات: «الإنسانية صحيفة أسبوعية أنشئت خصّيصاً لخدمة العمال والفلاحين، والمدافعة عن حقوقهم، وتنظيم صفوفهم».
طبع من العدد الأول 1000 نسخة، ومن العدد الثاني 1500 نسخة. وكان للجريدة مراسل في مصر وتبادلت الرسائل مع جريدة «حيفا» الفلسطينية. وكانت توزّع في العديد من مناطق سورية ولبنان وفلسطين ومصر، مثل: بيروت وبكفيا ودمشق والشوير وطرابلس والقاهرة والإسكندرية واللاذقية وحلب واسكندرون وحيفا وغيرها. ولم يتحملها الاستعمار البريطاني، فمنعها من دخول مصر ليغلقها الاستعمار الفرنسي بعد صدور 5 أعداد.
كان الإغلاق مصير صحف «العمال» و«صوت العمال» 1930، وتعرض محررو «الفجر الأحمر» و«المطرقة والمنجل» للسجن والمحاكم العسكرية الاستعمارية 1932-1933. وفي عام 1934 صدرت «نضال الشعب» الجريدة الشيوعية التي عرفها السوريون خلال فترات العهود السرية لعقود عديدة.
صدرت جريدة «جوغوفورتي تساين» اليومية بالأرمنية في بيروت منذ عام 1938، وكانت توزع في مناطق مختلفة من سورية ولبنان بمعدل 4000 نسخة يومياً. منعها الاستعمار الفرنسي والحكم الفاشي من الصدور ولاحق محرريها عدة مرات. وتحتوي المكتبة الوطنية اللبنانية على أراشيف الصحف الشيوعية التي صدرت باللغة الأرمنية سنوات الثلاثينات والأربعينات، مثل النداء ونضال الشعب وسبارتاك. وصدرت صحف ونشرات بالسريانية والآشورية والكردية في الجزيرة وعفرين سنوات الخمسينات والسبعينات مثل «صوت الفلاح» و«الشروق» وغيرها.
وفي عام 1937، ظهرت «صوت الشعب» اليومية التي حملت لواء النضال ضد الفاشية وفي سبيل جلاء الاستعمار عن سورية ولبنان وحقوق الطبقة العاملة. وزعت الصحيفة 25 ألف نسخة يومياً، وفي بعض المناسبات الهامة، كانت بيروت توزع 50 ألف نسخة لوحدها. وفي العدد الصادر يوم 17 نيسان 1946، نقرأ بيان الحزب الشيوعي في يوم الجلاء العظيم ومظاهرة الشباب الشيوعي، وخطاب خالد بكداش في مهرجان شعبي وإضرابات عمال الكهرباء والترامواي في دمشق. وقد أغلق الرجعيون «صوت الشعب» عام 1947.
تحولت «النور» اليومية إلى ظاهرة فريدة في فترة النضال ضد الأحلاف الاستعمارية للإمبريالية 1955-1957، وكانت أهم الصحف تأثيراً أثناء حياة الجبهة الوطنية ونهوض الحركة الشعبية، إذ صدرت بـ 20-25 ألف نسخة يومياً إلى أن أغلقتها سلطات الوحدة مع حملة الاعتقالات الكبرى ضد الشيوعيين.
ومنذ عام 1959، تصدت «نضال الشعب» السرية للمهمة، ثم كانت ظاهرة «نضال الشعب» الجديدة «1992-2000» التي تعتبر «قاسيون» الحالية استمراراً لها. وهي من كتبت بعد سنوات قليلة من انهيار الاتحاد السوفييتي، من أنّ عصر انفتاح الأفق أمام الجماهير وانغلاقه أمام أعدائها قادم وقريب.

معالم ليست جغرافية

في سورية معالم جغرافية ليست جغرافية صرفة كما هو معروف عن معالم الجغرافيا، بل هي معالم وطنية-جغرافية، طبقية-جغرافية بالتحديد. ارتبطت بمحطات معينة من تاريخ الشعب السوري خلال القرن العشرين.
عرف حي العزيزية في مدينة الحسكة باسم «حي الشيوعيين» على ألسنة الناس بسبب كثافة النشاط السياسي والنضال المطلبي، والحي الذي تحته خط أحمر عند المباحث والأجهزة لأن الشيوعيين منعوا الشرطة من هدم بيوت الناس. وهناك جامع الشيوعيين الموجود في حي الصالحية حتى اليوم. وعرفت إحدى حارات حي العزيزية باسم «طلعة حنفية الشيوعيين» لأن الشيوعيين أوائل الذين أوصلوا مياه الشرب إلى الحي عبر النضال المطلبي، وعرف جبل كوكب بجبل الشيوعيين لأنه مكان احتفالات الجلاء وأول أيار والنوروز قبل جعله مكباً للقمامة من قبل البلدية لمنع الشيوعيين من الاحتفال سنوات الثمانينات.
وهناك حي بنغلاديش الشعبي في القامشلي الذي تأسس في نفس عام استقلال بنغلاديش ويشبه ببيوته الطينية بيوت فقراء بنغلاديش، وكان معقلاً للشيوعيين ونضالهم الطبقي وخاصة التصدي لمنع هدم بيوت الناس من قبل الشرطة. وأطلق اسم قناة سويس على أحد أحياء القامشلي بعد التأميم، كما عرفت قرية تل جمعة «هلمون بالآشورية» في ناحية تل تمر باسم «الصين الشعبية»، بسبب المعارك الفلاحية ضد الاقطاع وتأسيسها لتعاونية فلاحية ناجحة رغم محاولات جهات عدة إفشال ذلك. ولقبت مدينة عامودا باسم موسكو الصغرى، بسبب الدور الكبير للشيوعيين في المدينة، كما عرفت العشرات من قرى جنوب القامشلي باسم «المناطق الساخنة»، بسبب دورها في الانتخابات والانتفاضات الفلاحية.
وفي محافظة دير الزور، وبعد الانتفاضة الفلاحية في بلدة موحسن، صارت تعرف باسم موسكو الصغرى، وكانت الحركة التعاونية والنضال ضد الفاشية في دير عطية سبباً لحصولها على لقب «موسكو الصغرى»، وكذلك حال قرى حبنمرة في حمص ومردك في السويداء واسقبلولة في طرطوس وقريتي ساتيان وباصلحايا في عفرين ومدينة سلقين في إدلب. فيما عرف حي «ركن الدين» الدمشقي باسم القلعة الشيوعية خلال المقاومة الشعبية عام 1957.

معلومات إضافية

العدد رقم:
937
آخر تعديل على الخميس, 31 تشرين1/أكتوير 2019 13:38