«شي فاشل»: الرجعية معنا في الخندق!
محمد المعوش محمد المعوش

«شي فاشل»: الرجعية معنا في الخندق!

في مشهد من مسرحية «فيلم أميركي طويل» لزياد الرحباني، والتي تدور أحداثها في إحدى مستشفيات الأمراض العصبية والعقلية في بيروت في مرحلة الحرب الأهلية في لبنان، تنفجر إحدى الشخصيات بمشهد هستيري يعكس واقع ممارسات القوى السياسية حين تقوم بتشويه حقيقة دورها الرجعي، فتُعَلِّق الشخصية، التي يُفتَرَض أنها تمثل الموقف الوطني التغييري، عن انتقال قوى رجعية إلى الخندق النقيض: «فجأة إجوا قعدوا معنا بالخندق... يعني نحنا والرجعية بِفَردْ خندق يعني؟!» ويكرر صارخاً «نحنا والرجعية بِفَردْ خندق يعني!؟».

هذا المشهد هو إلى حد ما نراه اليوم عالمياً، فرجعية الرأسمالية، وتحديداً الغرب، تحاول أن تستخدم لغة التغيير وتطعيمها بالقضايا التي تشغل بال الملايين حول العالم، بسبب اشتداد التناقضات وازدياد المعاناة الاجتماعية، وتحرك قوى واسعة للتمرد من موقع التغيير. لغة «الديمقراطية» كانت مثلاً طوال العقود الماضية هي العنوان الرسمي للسياسة الأميركية في العالم، وتضاف إليها عناوين أخرى كالسلام، ولاحقاً أضيفت أيضاً إليها قضية «القيادات الشبابية نحو التغيير» استجابة لمزاج التغيير الذي يسيطر على عقول الشعوب في العالم. وطبعاً هذا لا يُخرج الرأسمالية من مجال التأثير الفكري، بعد فشل طرحها الفكري الليبرالي في العقود الماضية عن وعدها بالحياة السعيدة.

لقاء «مجّاني» مع «قداسته»!

تعرف قضية التيبيت الصينية أنها مسألة حساسة بالنسبة للصين، حظيت بدعم من الغرب، ويقوم الإقليم منذ عقود بطرح قضية الانفصال، وهو ما تعارضه الصين بالضرورة. ولرمزية المرشد الديني والشخصية السياسية في الإقليم، يحظى هذا الموقع عبر شخص «الدلاي لاما» بتركيز شديد من قبل الدوائر الغربية السياسية والإعلامية، ويمكن اعتباره شكلاً من التكثيف للمواجهة مع الصين، كقضية الإقليم المسلم «شينجيانغ» غرب الصين.
في هذا الإطار، يُنظّم المركز الأمريكي للسلام لقاءً مع «الدلاي لاما» (الرابع عشر) في الهند، تحت قضايا السلام والأمن، من أجل «بناء جسور بين القادة الدوليين والشباب الباني للسلام». يجري اللقاء على مدى عشرة أيام من شهر تشرين الأول هذا العام. وطبعاً من شروط المشاركة أن يكون العمر ما بين 18 والـ 28 سنة، أي: الفئة المستهدفة هم الشباب خصوصاً، ويجب أن يكون المشارك عضواً قيادياً في إحدى الجمعيات المعنية ببناء وتعزيز السلام! والمرشحين للمشاركة يجب أن يكونوا من الدول التالية: أفغانستان، جمهورية إفريقيا الوسطى، كولومبيا، العراق، ليبيا، نيجيريا، الصومال، جنوب إفريقيا، سورية (أو السوريين العاملين والمقيمين في لبنان، تركيا، والأردن)، تونس، فنزويلا، واليمن. والأهم: أن اللقاء ممول بالكامل ودون أية كلفة من قبل المشاركين.

تعزيز القيادات الشابة

في الإطار ذاته تجري العديد من الورش واللقاءت التجريبية والمدارس الصيفية في أوروبا، التي تركز على قضية تعزيز القيادات الشابة من أجل التغيير والسلام، والتي غالباً يكون المشاركون من الدول التي أحرقتها الولايات المتحدة وحلف الناتو. منها مثلاً: ما ينظمه المجلس البريطاني لربط القيادات الشابة المستقبلية.
برنامج القيادة، الممتد على مدى عشرة أيام في المملكة المتحدة هو «برنامج تبادلي» ممول بالكامل أيضاً، خلال شهري تشرين الأول وتشرين الثاني من هذا العام (2019). والمستهدفون هم الطلاب (من عمر 18 وحتى 35) من الدول التالية: كندا، مصر، الهند، اندونيسيا، كينيا، المكسيك، المغرب، نيجيريا، باكستان، بولندا، تونس، المملكة المتحدة، والولايات المتحدة الأميركية. غاية البرنامج: نقاش التحديات العالمية والسياسيات التنموية.
هناك لقاء شبيه آخر في المملكة المتحدة هذا العام (في تشرين الأول)، وهي القمة الدولية للشباب في لندن، وهي الأخرى ممولة بالكامل كتذاكر الطائرة والإقامة والمصروف وحتى كلفة تأشيرة الدخول! وهو يعتبر حسب المنظمين من الاجتماعات الشبابية الدولية الأكبر. وموضوعه أيضاً: التغيير الاجتماعي والقيادة، ولا شروط أمام اللغة أو الاختصاص الدراسي، فالرأسمالية تسهل كثيراً عمل الشباب في هذا المجال! والعمر المستهدف: هي الفئة الشابة ما فوق الـ 18 عاماً.

مسرحية فاشلة

بغض النظر عن الوقاحة في الطرح، فالمسرحية الفاشلة: هي محاولة للتأثير في مسار التاريخ القادم ضدّياً في وجهِهِم. فها هي الرأسمالية التي أعدمت وصفّت واعتقلت، إما مباشرة أو عبر أدواتها، آلاف القياديين الثوريين في العالم من نقابيين وطلاب وعمال وقادة أحزاب، وأنهت وجود أحزاب تغييرية بحد ذاتها، تحاول اليوم أن تظهر بمظهر الداعم للتغيير وتحديداً تجهيز الكادر البشري المختار غالبيته من الدول التي أحرقتها سياسات الرأسمالية، لتصبح القيادات مسألة فردية مسقطة، أو من خلال الجمعيات الممولة خارجياً. وذلك كله مجاناً، فالرأسمالية كريمة في ما خص التدمير الممنهج.
وهذا تأكيد، أن الفكر الرسمي يحاول أن يتحرك حسب إحداثيات المرحلة التاريخية حيث التغيير و«القيادة» في صلبها. ولكن المشهد لكونه وقحاً ومكشوفاً، فهو منفر بكل المقاييس، ولهذا تكمل الشخصية في مسرحية زياد الرحباني: «ولك طلعوا من الخندق، لأن على مين بدا تقوص الجماهير؟!» وهو مهتاج من وجود الرجعية معه في الخندق ذاته.

معلومات إضافية

العدد رقم:
905
آخر تعديل على الإثنين, 18 آذار/مارس 2019 11:05