رحل جان شمعون وانطفأت كاميرا البسطاء

رحل جان شمعون وانطفأت كاميرا البسطاء

إذا لم تكن السينما ملتصقة بهموم الناس وواقعهم ومشاكلهم اليومية فهي «ليست سينما»، تلك هي الرؤية الشعبية السينما اللبنانية، التي تركتها كاميرا جان شمعون وصارت تراثاً برحيله قبل أيام، الكاميرا التي حافظت على اتجاه البوصلة نحو البسطاء، بينما فقدت باقي الكاميرات البوصلة وضيعت الاتجاهات.

تخرّج شمعون من جامعة باريس الثامنة، ومعهد لوي لوميار، في عام 1976 قدم وثائقي «تل الزعتر» بالاشتراك مع مصطفى أبو علي وبيدو أدريانو الذي يقارب المجزرة التي طالت ذلك المخيّم الصغير، الواقع في قلب الحرب في الوقت الذي بدأت كاميرات الآخرين بالتوجه صوب الدولار والخليج في تفسير الهزائم وتبريرها، قرر شمعون أن يكون سابحاً عكس التيار، ولم تفارق عدسته قضية فلسطين.
عمل لاحقاً مع زياد الرحباني لإنتاج البرنامج الإذاعي الساخر الذي يحمل عنوان «بعدنا طيبين قولوا الله». تبادل الاثنان حواراً في إحدى حلقات البرنامج في تهكم ساخر على الوضع السياسي في لبنان: مرحبا معلم/ أهلين/ والله جايبلك هالدولة بدنا نصلحا! شو هاي دولة شو/ الدولة اللبنانية/ ولك شو هيدي أي موديل هيدي؟ موديل 43/ قدي صرت ماشي فيا/ صرلي 33 سنة/ 33 سنة وبعدا ماشية/ أي والله!
هزّهُ الاجتياح الصهيوني عام 1982، لذا قرر أن يقاوم على طريقته، أن يحمل كاميرته ويدور في الشوارع التي كانت مكتظة بالناس عادةً لتستحيل مدينة أشباح إبان إحتلالها. صوّر ــــ بعين الفلسطيني ـــ «الدياسبورا الفلسطينية الحديثة» «رحيل المقاتلين في البواخر بإتجاه تونس وعدن» عن بيروت.
يستعيد شمعون الذاكرة من خلال «أحلام معلّقة» 1992 مقدراً دور النساء المناضلات وركّز فيه على السيدة وداد حلواني، التي خطف زوجها إبان الحرب ولم يعد. في الإطار عينه ولكن في اتجاه مختلف. قارب نضالات حلواني، وتناول أيضاً نضالات الأسيرة الفلسطينية المحررة كفاح عفيفي، والشاعرة فدوى طوقان، وسميحة الخليل إحدى رائدات المقاومة الاجتماعية والشعبية ضد الصهاينة، فكان فيلم «أرض النساء» 2004. لاحقاً تعرّف بمي المصري، زوجته الفلسطينية التي انتظر 15 عاماً حتى يجدها. إضافة الى الأعمال العديدة التي أخرجها، فهو أنتج أعمالاً أخرجتها رفيقة دربه مي المصري منها «أطفال شاتيلا»، و«أحلام المنفى»، «بيروت حقائق وأكاذيب».
وثقت كاميرته للحرب الأهلية اللبنانية، وحياة الناس ونضالهم ومحطات المقاومة، فكانت أفلام: «تحت الأنقاض 1982، زهرة القندول 1985، بيروت جيل الحرب 1989، أحلام معلقة 1992، رهينة الانتظار 1994، طيف المدينة 2000، ويوميات بيروت 2006.
رحل جان شمعون «1944 – 2017» وانطفأت عدسة كاميرته، كاميرا الناس البسطاء التي وثقت آلامهم لعقود، وأنتجت أعمالاً لا تعرض في دور السينما الاستهلاكية وقنوات التلفزة اللبنانية «السياحية». في رحيله تعود كلماته إلى الحياة، وكأن زياد الرحباني يقول له اليوم كما قال له قبل عقود: جايبلك هالدولة بدنا نصلحا!

معلومات إضافية

العدد رقم:
823