نبيل محمد نبيل محمد

«السينما الإيرانية»: الفن كسلاح ضد الرقابة

من ينظر إلى المجتمع الإيراني ويتناوله كقيم وضوابط يستطيع أن يتصور مدى القيود والرقابة التي تخضع لها مختلف الفنون، وخاصة السينما، فالقيود الاجتماعية والدينية تؤطّر الكثير من الموضوعات وتفقد السينما قدرتها على تناول ما تريد من الظواهر الاجتماعية، كما أنها تفقد العدسة تركيزها على مشهد معين أو تكوينها لصورة معينة، هذه القيود الكثيرة لم تقف السينما أمامها مكتوفة اليدين بل حاولت البحث عن طرق الصناعة من خلال منافذ الرقابة واستطاعت الهروب من القيود الاجتماعية من خلال ما ابتدعه المخرجون الإيرانيون من وسائل إبداعية.

إذا وضعنا تجربة السينما الإيرانية وقارناها بأية تجربة عربية نجد أنها أكثر تطوراً وأكثر عالمية على الرغم من أن التجارب العربية لم تعانِ من سيف الرقيب الاجتماعي والسياسي إلى الدرجة التي خضعت فيها تجربة السينما الإيرانية، وهذا ما ركز عليه فيلم وثائقي عرض على فضائية «الجزيرة الوثائقية» منذ فترة، حيث تناول قضية قدرة المخرجين الإيرانيين على الهروب من الرقيب.
لقد استطاع المخرجون الإيرانيون بحرفية عالية إيجاد مجال لحركة العدسة السينمائية بعيداً عن الضوابط المختلفة ومن هذه التجارب التي استطاع المخرجون الإيرانيون الخوض فيها بعيداً عن الرقابة هي الاعتماد في الكثير من القصص السينمائية على الطفل، هذا الطفل الذي يمكن تحميله قصص ومعاناة الكبار ويمكن إسقاط القضايا الكبر ىالإنسانية فيه ولكن لكونه طفلاً يمكن تجاوز ضوابط الرقابة على اعتبار أنه طفل ويحق له ما لا يحق للكبار، فاستطاع بعض المخرجين الإيرانيين وفي مقدمتهم مجيد مجيدي توظيف الطفل بطريقة يعبر فيها عن كل ما يريد، وقد تمثلت هذه التجارب في الكثير من الأفلام نذكر منها فيلم «لون الجنة» للمخرج الكبير مجيد مجيدي، هذا الفيلم الذي مثّل فيه المخرج الكثير من العواطف الإنسانية والصور الطبيعية من خلال طفل أعمى وكرس من خلال هذا الطفل مجموعة من الرسائل الإنسانية متجاوزاً فيها شباك الرقيب، الطفل الذي يرتبط بالحياة وجزئيات وتفاصيل الطبيعة من خلال سماع الأصوات واللمس والذي يبني مع الحياة علاقة قلما نجدها لدى الإنسان السليم.
ومن الأفلام الأخرى التي يشكل الطفل قصتها وتفاصيلها فيلم «أطفال الجنة» لمجيد مجيدي والذي يصور المخرج من خلاله الوضع الاقتصادي والفقر في إيران من خلال طفل يُضيّعُ حذاءه فيعيش على تبادل الحذاء مع أخته كي لا يعلم والده بالقصة، هذا الحذاء ـ الحلم بالنسبة للطفل يعبر عن الأزمة الإنسانية والاقتصادية في إيران كما أنه يصور بعداً إنسانياً من خلال علاقة الطفل معه.
هذه التجربة وغيرها من التجارب استطاعت السينما الإيرانية من خلالها الوصول إلى العالمية رغم كل القيود وقد تمثلت العالمية في السينما الإيرانية من خلال وصول الأفلام الإيرانية إلى أكبر المهرجانات، فها هو فيلم «أطفال الجنة» يترشح لجائزة أفضل فيلم أجنبي عام 1997 في مهرجان الأوسكار، وفيلم «طعم الكرز» يحصل على السعفة الذهبية في كان، أو جوائز أخرى من خلال أفلام مثل «ون الجنة»، و«زمن الجياد المخمورة» و«المطر»، وها هي أسماء المخرجين الإيرانيين تصبح أسماء عالمية أمثال مجيد مجيدي وعباس كيارستمي وحسن يكتبانه.
يمكننا أن نفصل ونتحدث بشكل أعمق عن التجربة الإيرانية بالقول إن هذه التجربة تستطيع أن تعطينا استنتاجاً مهماً بأن هذه السينما سينما مشهد بحيث يمثل المشهد خارج عن كونه حلقة في سلسلة الفيلم صورة إنسانية متكاملة تسعى لإيصال رسالة خاصة بها بمعزل عن تكوين الكل السينمائي.

معلومات إضافية

العدد رقم:
407