«أفضل ديمقراطية يستطيع المال شراءها»

■ حمى الثروة والسلطة تطيح «بالديمقراطية» الأمريكية

■ أباطرة الاحتكارات يحكمون أمريكا والعالم!..

لا يعبر عنوان الكتاب المثير عن موضوعه الحقيقي، وهو «أميركا الشركاتية» التي تحرك السياسة والديمقراطية والحروب والإعلام فيها شركات استثمارية تنهب بلايين الدولارات لصالح فئة قليلة دون اعتبار لمصالح الأميركيين ولا شعوب العالم بالطبع، وتستطيع أن تقرأه إن شئت على نحو «الديمقراطية الأفضل هي التي يمكن شراؤها بالمال»، وربما تكون الانتخابات الرئاسية التي جرت في الولايات المتحدة الأميركية في خريف العام 2000 شاهدا على التلاعب بالأصوات والناخبين.

الانتخابات الرئاسية في فلوريدا

 انتشرت في الأيام التي تلت الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة الأميركية قصص كثيرة عن شطب أصوات أميركيين أفارقة، تبلغ أعدادهم: 57.700 شخص بالتعاون مع حاكم الولاية جيب بوش شقيق الرئيس الأميركي جورج بوش الابن، وأعلن جورج بوش فائزا في ولاية فلوريدا بزيادة مقدارها 537 صوتا عن آل غور، والواقع أن عدد المحرومين من الانتخابات والتصويت في فلوريدا تجاوز التسعين ألفا أكثريتهم الساحقة من مؤيدي الحزب الديمقراطي.

كيف تمكن حكام فلوريدا من معرفة الاتجاه الانتخابي لهؤلاء الناس؟ يقول الخبير الاقتصادي ديفد بوزيتس «كانت تقنية واضحة تستحق براءة اختراع في التمييز العنصري ضد الناخبين السود»، ومن المعروف أن 90% من السود يصوتون للحزب الديمقراطي.

وكان معظم الذين منعوا من التصويت من البيض من الطبقة الفقيرة المعروف أنها ستصوت لصالح الديمقراطيين.

آل بوش وأباطرة المال

أسهمت خمس من شركات الطاقة بمبلغ 4.1 ملايين دولار في الحملة الانتخابية لصالح الجمهوريين، وبعد ثلاثة أيام من تولي بوش الحكم صدر قرار بإلغاء قرارات سابقة لكلينتون تحظر المضاربة غير المراقبة في سوق كهرباء كاليفورنيا، وأعطيت الشركات الممولة للانتخابات الجمهورية امتيازات للتنقيب عن النفط في محميات برية، وأعفيت من قرارات بيئية ألزمت بها، مثل تخفيض انبعاث الغازات السامة، وتفاخرت شركة «إلكوا» للطاقة بأنها أسهمت بمبلغ 170 ألف دولار في الحملة الرئاسية الجمهورية، وحصلت في مقابل ذلك على تسهيلات وامتيازات تقدر بمائة مليون دولار، وعين بوش رئيس الشركة بول أونيل وزيرا للمالية.

وقد حصل كين لاي الرئيس السابق لشركة إنرون، الذي أسهم بمبلغ مائة ألف دولار لصالح حملة بوش على غنائم تقدر بـ40 مليون دولار، وقد أسهمت الشركة هذه بمبلغ 1.8 مليون دولار لصالح بوش ليشرف بعد ذلك رؤساؤها على خطة الطاقة في الولايات المتحدة الأميركية بالاتفاق مع بوش، ومن ذلك إزالة القيود على قوانين حماية الكهرباء.

وسمح بوش بعد توليه السلطة لشركات تعليب اللحوم من مؤيديه بمعالجة اللحوم بوسائل أقل كلفة وإن تبقى بعض السالمونيلا (نوع من البكتيريا) في اللحوم المخصصة لوجبات المدارس.

وقد استخدمت شركة شيفرون للنفط نفوذ الرئيس بوش الأب لدى الكويت مقابل 657 ألف دولار قدمت للحزب الجمهوري، واستخدمت شركة لها مصالح في الأرجنتين نفوذه لدى الرئيس الأرجنتيني السابق كارلوس منعم مقابل نصف مليون دولار قدمت للحزب الجمهوري، واستخدمت شركة غلوبال كروسينغ نفوذه مقابل 13 مليون دولار.

ورغم الجهود الكبيرة التي بذلت لمنع المحكومين السابقين من التصويت بغض النظر عن فرصهم التلقائية في ذلك، فقد سمح لمحكومين سابقين أسهموا في صناديق الحملة الجمهورية بالتصويت والاستثمار مقابل تبرعات كبيرة بالطبع.

واستطاعت شركة باريك تحقيق إيرادات لا تقل عن عشرة مليارات دولار بسبب تعديل طفيف غير ملحوظ في قانون التنجيم وملكية المناجم، وفوتت ضرائب في العملية لا تقل عن مليار دولار، وقد عمل الرئيس بوش الأب عام 1995 مستشارا لهذه الشركة، وقد كتب بوش عام 1996 إلى الرئيس الإندونيسي سوهارتو رسالة توصية بمنح امتيازات وتسهيلات لشركة باريك للتنقيب عن الذهب في إندونيسيا، واتصل في العام نفسه بالرئيس الكونغولي (زائير سابقا) السابق موبوتو الذي سرق البلايين من مقدرات شعبه لتقديم تسهيلات لشركة أدولف لندين للتنقيب عن الذهب، وحصلت شركة باريك على أكبر حقول الذهب في تنزانيا، وذكر تقرير مجلس الإدارة بصراحة أن الحصول على الامتياز كان باستخدام نفوذ الرئيس بوش ورئيس الوزراء الكندي مولرني، وقدرت السبائك التي يمكن استخراجها بثلاثة مليارات دولار.

وفي العام 1996 اشترت شركة باريك مناطق واسعة في أفريقيا يقيم فيها عدة آلاف من الأفارقة، وقد طردوا من أراضيهم وأعمالهم بالقوة، ودفن حوالي 50 منهم أحياء.

قراصنة الطاقة

تأسست أول محطة تجارية للطاقة عام 1985 في بريطانيا، كانت تملكها شركة أسست في ذلك العام هي شركة إنرون، وكان قرار اللورد ويكهام وزير الطاقة في بريطانيا يعني أنه للمرة الأولى في العالم يمكن لشركة مالكة لمصنع توليد الكهرباء أن تفرض أي ثمن يستطيع السوق تحمله، أو بدقة أكبر لا يستطيع تحمله.

بعد ذلك عينت شركة إنرون اللورد ويكهام في مجلس إدارتها، وفي لجنة تدقيق الحسابات، وكان يتقاضى مقابل خدماته الاستشارية بالإضافة إلى راتب شهري مقداره 10 آلاف دولار باعتباره عضو مجلس إدارة، وظل محتفظا بعضويته في البرلمان، وقد حث الحكومة على بيع مصانعها للطاقة وأسلاكها الممدودة من المصنع إلى البيوت.

وتحولت سوق الطاقة إلى سوق حرة للتنافس تشبه أندية القمار في الاحتيال والخداع، وتوسعت شركة إنرون في الولايات المتحدة الأميركية في عمليات مخالفة للقانون الأميركي، ثم زحفت الشركات الأميركية إلى سوق الطاقة الأميركي، وسمحت حكومة العمال بقيادة توني بلير عام 1998 لشركة ريليانت الأميركية بامتلاك ثاني أكبر شركة في إنجلترا، وضغط بلير شخصيا على المشرعين للسماح لشركة إنرون ببناء مصانع طاقة جديدة معفاة من القيود بناء على طلب خاص من كلينتون.

وبحلول العام 1998 استولى أباطرة الطاقة الأميركيون بزعامة سوذرن وإنرون وتي إكس يو وريليانت وإنتيرجي على محطات التوليد والخطوط في كل القارات باستثناء القارة القطبية الجنوبية.

لكن الولايات المتحدة الأميركية استثنت نفسها من الاتجاه العالمي للخصخصة، وحافظت على قوانين متشددة في مجال الطاقة تمنع التنافس أو العبث بسوق الطاقة، وإن سقطت كاليفورنيا في ورطة إلغاء القوانين الخاصة بالكهرباء، ولكن تكساس كانت الأولى التي تقفز فوق القوانين بدفعة قوية من الحاكم الشاب الجديد جورج بوش الابن، ومع نهب شركات تكساس للطاقة في كل أنحاء العالم من غير المستغرب أن الهجمة على إلغاء القيود قد بدأت في ولاية النجمة الوحيدة.

وبما أن تكساس هي العظمى دائما، فقد كانت شركاتها هي العظمى في إنتاج الطاقة، وفي التلوث والهبات السياسية أيضا، فقد أعفى بوش مصانع تكساس من الالتزام بقوانين وأنظمة تقلل التلوث ومن انبعاث الغازات السامة، وقد دفعت شركة تي إكس يو العملاقة للطاقة في مقابل حصولها على هذه الامتيازات نصف مليون دولار في معركة بوش الانتخابية لولاية تكساس.

وفي باكستان حيث كانت شركة إنرون تملك جزءا كبيرا من شركات الطاقة نشر برويز مشرف 30 ألف جندي لحماية مؤسسات الطاقة وجباية أثمان الكهرباء، لقد كان الجنود يجمعون المال تحت التهديد بإطلاق النار، وربما كان انقلاب مشرف نتيجة حتمية للنزاع على الطاقة، وقد رافق زيارة كلينتون إلى باكستان رفع أسعار الكهرباء في باكستان، وربما كان ذلك الهدف الحقيقي والوحيد من الزيارة.

وفي الهند عالج البوليس بقسوة مظاهرات للمحتجين على مصنع إنرون للطاقة في دابول، وأرسل كلينتون إلى هناك وكيلتين لجمع الأموال، وزيرة الخارجية مادلين أولبرايت المديرة السابقة لصناعة الطاقة، ووزيرة الطاقة هازل أوليري، وعذبت المرأتان المسؤولين الهنود بالتهديد بالخنق الاقتصادي إن لم تحصل إنرون على حصتها، ثم تكررت التهديدات في عهد بوش، لكنه كان من الشهامة بحيث لم يرسل امرأة وإنما نائبه ديك تشيني.

وأعلنت شركة إنرون إفلاسها في تشرين الثاني 2001، وبدأ مستخدمو الشركة وممولوها يحاولون البحث عن أي شيء من موجودات الشركة، وانضم الإخوة بوش إلى عملية البحث لكن بطريقتهما الخاصة، فقد أقيم عشاء لجمع الأموال بلغت إيراداته مليوني دولار، أما عمال الشركة فقد خسروا 350 مليون دولار، هي موجودات صندوق التقاعد.

لقد كانت إنرون وليدة التزاوج المخيف بين إلغاء القوانين وأموال الحملات الانتخابية.

العولمة والمستاؤون منها

أتيح لكاتب هاو اسمه توماس فريدمان أن يكون مفكرا مشهورا ونجما مثل الهوليوديين، وتنقل مقالات فريدمان في نيويورك تايمز في جميع أنحاء العالم، ويدعى إلى جميع أنحاء العالم للتبشير بعولمة جديدة تجعلنا موصولين وممكنين مفعلين، وتجعل الاقتصاد ينمو، والفقر ينتهي، وتجعلك وأنت في غرفة نومك تشتري أسهما وتبيع أيضا، وتتحدث مع سكان الإسكيمو.

لكن المؤلف كما يقول لا يرى في بريده الإلكتروني سوى مظاهرات في بوليفيا لنقابات العمال لإصلاح الرواتب والتقاعد والضمان الاجتماعي، واختفاء قادة النقابات والنشطاء الاجتماعيين، وتخفيض نسبة التقاعد في الأرجنتين بنسبة 13%، ورفع أسعار الماء، وتفتيت النقابات، ومظاهرات في سياتل مناهضة للعولمة، وهكذا. في اجتماع الدول الصناعية الكبرى G7 أو G8 كان قادة الدول يناقشون مع مدير صندوق النقد الدولي مشكلات مثل الانهيار الاقتصادي في الإكوادور، وكان سبب الانهيار هو ما سمي الانفجار المصرفي، وهو تداعيات عملية تحرير العمل المصرفي والسوق المالي الصغير لديها من القيود الحكومية وهو الإجراء الذي فرضه صندوق النقد الدولي على الإكوادور.

وناقش قادة الدول الكبار موضوع الإيدز في العالم ومساعدة الدول خاصة الأفريقية على مواجهة المرض المستفحل الذي يهدد السكان بالانقراض، وفي تنزانيا على سبيل المثال حيث يعاني 1.3 مليون شخص من مرض الإيدز كانت حلول صندوق النقد الدولي والبنك الدولي التي قدمت للبلد هي فرض أجور على العلاج في المستشفيات التي كانت مجانية، وانخفض عدد المرضى بسبب ذلك بنسبة 53%، وهكذا تستطيع الإحصاءات الرسمية أن تظهر انخفاضا للمرض نفسه، فما ليس في الصورة ليس في الواقع، وإن تناقضت الصورة والواقع الحقيقي فيجب تغيير الواقع ليتفق مع الصورة، لكن كيف سيفهم انخفاض التسجيل في المدارس من 80% إلى 66% بعد فرض رسوم على التعليم. لقد حكمت العولمة على الناس بالموت، هكذا يقول جوزيف ستيغليتز أحد القادة السابقين للبنك الدولي، وقد أقيل من منصبه من دون تقاعد، وتتلخص برامج الصندوق برأيه التي تتضمن إستراتيجية خاصة بكل بلد (لمساعدته) بالبحث عن فنادق خمسة نجوم في ذلك البلد، وينتهي البرنامج باجتماع مع وزير مالية مروض متوسل تسلم إليه اتفاقية إعادة هيكلة معدة مسبقة من أجل توقيعه الطوعي.

ويمر البرنامج بأربع مراحل:

-1 الخصخصة، ويجري فيها بيع ممتلكات الدولة للقطاع الخاص، ويكون دور المسؤولين الرسميين هو تخفيض قيمتها الحقيقية مقابل عمولة تدفع لهم في بنوك سويسرية.

-2 تحرير سوق رأس المال، وهذا يعني إبطال أي قانون يبطئ فرض ضريبة على الأموال أو يضع قيودا على سوق رأس المال، ودائما تتدفق الاموال إلى خارج الدولة وليس من الخارج إليها.

-3 وضع الأسعار اعتمادا على السوق، وتكون الدولة في هذه المرحلة مرهقة وغير قادرة على حماية السلع والمنتجات الأساسية.

-4 تخفيض الفقر بالتجارة الحرة، أي فتح أسواق الدولة أمام المنتجات الأجنبية والسلع المستوردة التي تبدأ بالتدفق بسهولة.

أو باختصار كما يقول المؤلف تكون النتيجة تبيع سيارة اللكزس وتحرق شجرة الزيتون في إشارة لكتاب توماس فريدمان الذي يبشر بالعولمة وخيراتها «بين اللكزس وشجرة الزيتون».

اسم الكتاب: «أفضل ديمقراطية يستطيع المال شراءها».

 المؤلف: غريغ بالاست، عدد الصفحات: 288.

 الطبعة: الأولى 2004.

 

 الناشر: الدار العربية للعلوم، بيروت

معلومات إضافية

العدد رقم:
229