ومضات.. على «الواقع الثقافي في دير الزور»:

السيد رئيس تحرير جريدة «قاسيون» الغراء

ردا ًعلى مقال الواقع الثقافي في دير الزور... تصحر ثقافي يمتد إلى الفرات.. المنشور بجريدتكم رقم /219/ تاريخ 8/4/2004 وعلى الصفحة 12 منها لكاتبه السيد عبد الكريم الخلف... أجد من الواجب علي أن ألقي بعض الومضات على الواقع المأساوي الذي جاء به الكاتب لحاضرتنا (دير الزور):

قد أتفق أنا وكاتب المقال أن رواد الثقافة ومريديها كانوا بالأمس معتصمين بالعروة الوثقى وأفضل حالاً من الآن ولكن من غير المنطقي أن يكون رد تقاعس الحركة الثقافية وسببه في هذه الحاضرة (تقاليد وأعراف قبلية).

وأنا لا أرى التمسك بعمود تلك التقاليد بما صانه من أعراف يحجم على مريدي صومعتها الانطلاق نحو ركب الثقافة والجو المحيط بالمثقف والكاتب إن صح القول يلعب دائماَ وفي كافة المدارس الفكرية دوراً تحريضياً للمبدع لحضه على إبداع الممكن بما يحمل هذا المحيط من تداخلات (أعرافاً وتقاليد) تزهر قريحة الكاتب وتثمر ثقافة لا أروع ولا أحلى وإن ما سلف له دلالته في جميع قصص وروايات كتاب تلك المدارس وعلى ذلك فلا يستطيع المثقف أن ينهض بخلاف الحراك الطبقي المتسارع وهو بطبيعته البشرية غير قادر على درء شر الواقع الجديد (بمفاسده) هذا الواقع الذي مضى زمان كبير على النقاشات التي شهدها داخل الحركة الثقافية في وادي الفرات والتي كانت تعيش ولاتزال بحالة مخاض منذ قرون أربعة ونيف الأمر الذي يستتبع حتماً وعياً ثقافياً مختلطاً ومتعدداً بتعدد أوجه الطيف والمشارب الذي عليه المجتمع والذي خلق إشكالية (التواصل) بين المثقف وغيره من جهة وبين المثقف والعامة من جهة أخرى باختلاف الانتماء والمشرب.

والظاهر أن ذلك المناخ بإشكالية التواصل التي أصبحت واقعاً تم استغلالها من قبل البعض وتحول عندهم ذلك إلى عبث أو طرح متسرع بغير موضوعية (كما المقال) بحيث لا يستند فيه أرباب الثقافة على أسس واضحة بما يعرض النسيج الثقافي للتصدع وإن سبب ابتعاد المثقفين عن الساح الثقافي هو ماسلف ذكره والقول أن سبب الابتعاد ومرده هو العرف والتقاليد فيه تجن كبير ومبالغة بهذه الرؤية... فلا يوجد إطلاق في القول فكل شيء نسبي ولا إمكانية للأخذ بقول كاتب المقال أن (اختباء الإنسان في هذه المنطقة وراء التقاليد ... يمكن أن تنتج ثقافة جديدة...) فالعرف والتقاليد موضوع حوار سائب وتتحول فيه المعاني السامية ذات الدلالة إلى كلمات قابلة للاستبدال والأخطر أن تكون نسبية الثقافة تكريس (لنسبية الواقع) أي أن يكون تعدد الواقع امتداداً لتلك الثقافة التي لا تقبل بأي شكل الأحكام القاطعة ويغدو التمسك بالأعراف والتقاليد من قبل المثقفين كشريحة من المجتمع كلهم أو بعضهم أمراً نسبياً فهي مقبولة عند أحدهم وغير مقبولة عند الآخرين وهنا تكمن  المعالجة السلبية.

إشارة أخرى أوردها لناحية تجني الكاتب أيضاً على هذه الحاضرة (مع احترامنا وتقديرنا لرأيه) بما أورده عن المرأة ودورها فلنا العديد من النشاطات الثقافية التي يكون عمادها المرأة وأضيف فيما يخص هذه الحاضرة (دير الزور) أن المساواة لا تتعدى كونها اتفاقاً ظاهرياً على توازن غير قائم وعدم التكافؤ وهذا لايعني إلغاء دور المرأة (والعودة بها إلى أيام ماقبل الجاهلية) فهي تمثل في محيطها ومجتمعها أحجاماً وأفعالاً غير ثابتة تتصل دائماً بمتغيرات العمل والسلوك فتأتي علاقة المساواة سكونية مرغوباً بها أكثر من نزولها لخلق حالة الإبداع والممارسة الثقافية...

ياسيدي... الحكم سيكون قاسياً على المشاكسة بدفع علاقة التوازن بين الرجل والمرأة (حتى في المجال الثقافي) للخروج عما هو مألوف ضمن المعادلة المستساغة (المرأة  في مكانتها والرجل في عالمه) والحيز أكبر ولانعني إلغاء الآخر فلكل جهده....

إشارة أخيرة لانعرف من أين استقى كاتب المقال الإحصائية التي جاءت بمقاله لكي نرد عليها بما ينسجم مع الواقع والصحيح لكي لايطلق القول على عواهنه.

آملاً التقدم لجريدتكم الغراء طالباً تسجيل تحفظنا على ماأورده المقال المعني بهذا الرد في سفرها ودمتم باحترام.

دير الزور 20/4/2004

 

■ المحامي محمد عبد الفتاح الفتيح