حفل موسيقي ميلو تراجيدي

في الحادي عشر من شهر شباط 2004 نظــم المركز الثقافي الفرنسي حفلاً  موسيقياً تجريبياً  للثلاثي  كرباج / صحناوي  /ياسين. تأسس هذا الثلاثي بمناسبة مهرجان «ارتجال  2002» الذي أقيـــم في مسرح بيروت. و يــتألـــف الثلاثي من مازن كرباج (موسيقي ورسام ومؤلف قصص مصورة) ويعزف على آلات الـ «بوق والبوق المعدل».

وشريف صحناوي «عازف غيتار كهربائي» ورائد ياسين (موسيقي وشاعر ومصور فيديو  وممثل) ونسي أن يكتب في الـcv أنه راقص أيضاً، وكان في العرض «عازف كونترباس».

كان الثلاثي في الأصل مؤلفا من الثنائي مازن كرباج و رائد ياسين اللذين كانا يرتجلان معاً بشكل منتظم منذ 2001 و ذلك في أماكن مختلفة من العاصمة اللبنانية. كانا يعدان من بين الفنانين الطليعيين في مجال الإبداع البديل في لبنان. في عام 2002، وجها دعوة إلى عازف الغيتار، شريف صحناوي، المقيم في باريس  ليشكلوا ثلاثياً معاً. في آب 2002، سجل الثلاثي أسطوانة بعنوان: «A»، مما اعتبر سابقة خطيرة  في تاريخ موسيقى الجاز الشرق أوسطي الحر والارتجال الحر كونها أول اسطوانة يتم تسجيلها و إنتاجها من هذا الطراز في الشرق الأوسط. 

إن هذا الثلاثي القادم إلينا من لبنان ليقدم موسيقاه الارتجالية. جاء إلينا بموسيقا أبعد ما تكون عن طبيعة المنطقة، ولا نتحدث هنا عن تأصيل للموسيقى أو ماشابه بل نتحدث عن موسيقى تأتي من قلب المجتمع وتغيراته الحديثة، خرجت الموسيقى التي جاء بها الثلاثي كرباج صحناوي ياسين، من بيئة صناعية أوربية، بحتة جاءت لتحاكي أصواتاً من هناك لترسم ملامح من حياة شعب صناعي ممكنن، أقرب إلى الآلية منه إلى الإنسانية، افتقد الأصوات الطبيعية في محيطه، فكانت هذه الموسيقى كنقد اجتماعي ذي مستوى عال، وتحاكي التطورات في تلك المجتمعات، بالإضافة إلى نقد للجاز الحر الذي بدأ يظهر في أميركا، فتوضع مجموعة من الأصوات المتغيرة لآلات تستخدم في أقصى حالاتها، في تشكيلة لحنية ما.

ما يخيل إلينا عند سماعنا لكلمة موسيقى تجريبية هو أبعد ما يكون عما قدمه الثلاثي المذكور، فما قدمه الفريق أبعد ما يكون عن علامات موسيقية واضحة،  نظمها وفقاً لهارموني موحد، بل بعكس ذلك تماما، كما جاء في التعريف بالفرقة، فالموسيقى التي قاموا بعزفها وفقاً لتعريف المركز بهم، هي ثمرة ساعات طويلة من التدريبات تتم بواسطة الآلات الموسيقية الاعتيادية إلا أنها محررة من قالبها المألوف لكي تتأقلم مع احتياجات عازفيها. إلاّ أن المشكلة في الموسيقى التي قاموا بتقديمها تأتي في غياب البعد الجمالي تماماً عنها وهي بعكس تلك التي خرجت في أوربا، لن تصل إلى أي مكان،  يقول شريف صحناوي، منظم مهرجان «ارتجال» منذ تأسيسه في عام 2001 : «ليس هناك رموز في الموسيقى الارتجالية الحرة  و لكن تأديتها يتطلب الكثير من الجهد و التدريب»، إلاّ أن الواضح في العزف الذي قدم في 11 شباط هو بعدهم عن أي تدريب أو جهد، فالذي خرج هو مجموعة من الأصوات التي لم تستطع أن تمتع الحضور باي شكل من الأشكال، أًصوات متفرقة،  فإن نحن قبلنا النوع المستورد من أوربا فإننا حتماً سنطالب بالحد الأدنى من التناغم الذي تنتجه أصوات الآلات، إلا أن التشتت والبعثرة الناتجة عن تلك الأصوات أدت إلى ضجيج وتلويث لأذن السامعين، بالرغم من أن الفنانين متعددو المواهب فكل منهم يقترب في صورته من الفنان الشامل، فهو يعزف ويرقص ويغني. 

إلاّ أن الفروق والتباينات بين العازفين الثلاثة كانت واضحة للعيان فكان عازف الغيتار صحناوي أكثرهم إدراكاً واحترافاً فظهرت مقدراته من خلال الطرق التي كان يتعامل فيها مع آلته، واستطاع أن يستخرج مجموعة من الأصوات الغريبة لكن الجميلة في الوقت عينه، وحاول جذب الجمهور مراراً وتكراراً إلى عوالمه، وكان من الجلي والواضح أنه يعرف ما يفعله،  إلاّ أن تحليق كل من ياسين وكرباج خارج السرب بأميال أدى إلى تشويه كل محاولة لصحناوي.

 

حاول الثلاثي كرباج /صحناوي/ ياسين أن يخلقوا عالماً خاصاً بهم.. لكن هل كانت النتيجة كذلك؟!..