برهان كركوتلي... لن ننساك...

في الغربة و بحضور مجموعة من الأصدقاء العرب و الأجانب شُيع الفنان التشكيلي السوري  برهان كركوتلي الذي توفي في مدينة بون في السادس والعشرين من شهر كانون الأول في السنة الفائتة .

منذ بداية الستينات سخر الفنان الراحل فنه للتعبير عن القضية الفلسطينية وهذا ما جعل البعض ينعيه باعتباره فنانا فلسطينياً كما حدث مع وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا).

ينتمي برهان كركوتلي إلى المرحلة الذهبية في تاريخ الحركة الفنية في سورية وهي مرحلة الستينات. فمنذ بداية رحلته الفنية استطاع برهان أن يمتلك لغة فنية خاصة متميزة. فقد زاوج برهان بين اللغة التي حصّلها أثناء  دراسته الأكاديمية في ألمانيا وبين الفن الشعبي فجاءت لوحاته متميزة على صعيد لغتها البسيطة الواضحة والمعبرة.

كان انحياز الراحل برهان كركوتلي إلى الأسلوب الواقعي التعبيري انحيازاً إلى مقولة: «الفن في خدمة المجتمع» فخلال مسيرة حياته الغنية جهد برهان كركوتلي في تقديم شهادة حية للأجيال القادمة من خلال سعيه لتقديم ذاكرة نضالية للشعب العربي من خلال الموضوعات التي أنجزها و هي تعد بالمئات منها (الثورة الفلسطينية، الشهيد عز الدين القسام، القدس لنا، المرأة الفلسطينية، لن ننساك يا شهيد، ثورة حتى النصر.....). 

أعطى برهان كركوتلي لوحاته بعداً تراثياً في محاولته لربط الثورة الفلسطينية بالجذور الحضارية العربية  ففي لوحاته تتنوع المصادر التراثية من زخرفة وخط عربي إلى استخدام الزي الشعبي الفلسطيني والحلي والأدوات المستخدمة في الحياة اليومية... ليصل أمام لوحة مليئة بالزخرفة كأني بالفلسطيني الذي هو الحاضر دائما في لوحاته يحتمي بتراثه الشعبي ويحميه لأنه أحد موضوعات الصراع مع العدو الصهيوني. 

لم يكن استخدام برهان كركوتلي للزخرفة أو الخط أو للرموز الشعبية والتراثية استخداماً تزينياً للوحة الفنية بل كان يوظف هذه الرموز والزخرفات توظيفاً فنياً يخدم هدف لوحته لنراه في استخدامه للكتابة في لوحاته الفنية الهامة «أغاني و كلمات شعبية  من وحي التراث الشعبي، القدس لنا...» إنما هو اغناء للوحة الفنية فأغلب عباراته إذا لم تكن كلها مستوحاة من أقوال بسطاء الناس الذين كان برهان منحازاً لهم، فقد كان استخدامه الجمالي للكتابة يساعد أولاً في نشر الجو الشعبي الذي كان يسعى برهان له في أعماله المتنوعة، و هي في حالات كثيرة تعبير عن موقف برهان من القضايا التي عالجها في أعماله الفنية لنراه في أعماله يكتب (برهان ...... رافض المذلة) و(ابن الشام).

وقد ساهم برهان كركوتلي إلى جانب رفاقه من الفنانين العرب المقيمين في أوروبا -والذين أكدوا على التعبير عن القضية الفلسطينية - «مروان قصاب باشي ـ إبراهيم هزيمة .. وغيرهم» في نشر عدالة القضية الفلسطينية وتصوير معاناة الشعب العربي الفلسطيني والكشف عن بشاعة المحتلين الصهاينة.

وفي السنوات العشر الأخيرة من حياته اتجه برهان ليلعب دور الحكواتي الشخصية المحببة إليه والتي رسمها في أعماله بكل عشق و جمال -  على المسارح الشعبية في ألمانيا هذا الحكواتي الشرقي الذي ينشد من خلال حكاياته الشعبية رفض الظلم والاستبداد والاحتلال والدعوة للنضال من أجل عالم أجمل تسوده العدالة والحب والسلام.

لم ينل برهان كركوتلي التقدير الذي يستحقه و الرعاية بالرغم مما أنجزه من أعمال فنية أغنت الفن التشكيلي العربي من خلال اللغة الفنية التي عمل بها، ويقال أنه عاش بعد إعلانه رفضه لاتفاق أوسلو على مخصصات الشؤون الاجتماعية في ألمانيا. فهل آن الأوان للاهتمام بأعمال الراحل بعد رحيله كما درجت عليها العادة في بلادنا العربية -.

رحل برهان الإنسان و لكن برهان الفنان الطفولي العفوي لم يرحل لأن لوحاته مازالت طازجة حارة دون أن تدري، تتعاطف مع أسلوبه الفطري القريب من القلب، و لعل خير ما نختم به حديثنا عن برهان مقطع من شهادة للفنان الفلسطيني المتميز إسماعيل شموط الذي تحدث عن أسلوب الراحل برهان كركوتلي بقوله: 

«يميل في أسلوبه إلى الأسلوب الفطري المهذب، البسيط المباشر، الزخرفي الأنيق، حنون في تناوله حكايات الفرح الشعبي، لكنه يصبح عنيفاً وشرساً عندما يتناول العدو، صهيونياً أو إمبرياليا، نازياً أو دكتاتورياً.»

■ سامر الصالح

 

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.