تجارة الأقراص المدمجة تنتقل إلى الأزقة الخلفية

فجأة عمت دمشق قبل سنوات حمى الأقراص المدمجة (CD) لتشهد المدينة في كل يوم افتتاح محل جديد، ويتعثر المارة بين كل زقاق وآخر بباعة جوالين افترشوا الأرض بمجموعة من الأقراص، وفجأة وجد هؤلاء الباعة أنفسهم عاطلين عن العمل، بعد البدء بتطبيق قانون حماية حقوق الملكية الفكرية.

فقبل سنوات بدأت في سورية فورة محمومة لعمليات النسخ، فافتتحت عشرات المحال الصغيرة والكبيرة التي تتاجر بشتى أنواع  الأقراص المدمجة في دمشق وحلب توزع على كل أنحاء سورية، وفي نفس الوقت انتشرت في وسط المدينة وأطرافها محال كثيرة بعضها يستورد ما تصدر لها الورشات الكبيرة التي تنسخ بالألوف يومياً، وبعضها يعمل على شراء جهاز نسخ أقراص عادي مؤسساً ورشته الخاصة، بالإضافة إلى المحال المرخصة التي انتشرت في شوارع دمشق بالعشرات لا بل بالمئات من البسطات التي تبيع هذه الأقراص.

ونتيجة لسهولة العملية، أصبح هذا العمل مهنة من لا مهنة له، وراح الكثير من الشباب العاطلين عن العمل بالبدء بمشروعهم الصغير الخاص، «دكان  منوعات»، ليقتطع جزءاً من بيت والديه يقيم فيه ورشته الخاصة عن طريق رأس مال صغير جداً لا يتجاوز في 

بعض الحالات (1500 ل.س) أي نحو 300 دولار، وهو مبلغ كاف لاقتناء ناسخة صغيرة ومتواضعة ومجموعة من السيديات، يقوم بنسخ أحدث الأغاني والمنوعات العربية والأجنبية لبنات وشباب الحارة، وقد يتطور الأمر ويكبر هذا المحل، ليتضمن إلى جانب الأقراص مجموعة من كروت المعايدة، وبعض الألعاب الصغيرة.

الميزة العامة والأهم لهذه المحال هو أنها تبيع الأقراص، أما ما هو موجود على هذه الأقراص فإنه أمر ثانوي. فنستطيع أن نجد على نفس الحصيرة البلاستيكية الممدودة في عرض الشارع، آخر البرمجيات الصادرة عن شركة (Microsoft) وغيرها من الشركات، إلى جانب أحدث فيديو كليبات هيفاء وهبة ونانسي عجرم، وأغاني عمرو دياب ومصطفى قمر وبالقرب منها مجموعة من ألعاب الكومبيوتر الأحدث والتي لم يمض على نزولها إلى الأسواق الغربية أكثر من أيام، وقد يصادف المارة أحياناً مجموعات غنائية كبيرة لعمالقة المطربين، مضغوطة على قرص واحد، بالإضافة إلى أحدث الأفلام العربية والأجنبية، ومجموعة من برامج الداعية عمرو خالد، بالقرب منها حلقات من مسلسلات وأفلام عربية بالأبيض والأسود.. وغيرها الكثير الكثير من الأمور الغريبة المجتمعة على الأقراص الليزرية، فكل ما هو قابل للنسخ هو بضاعة قابلة لتصريف على أرصفة الطرقات.

وساهمت عمليات المضاربة بين الورشات الكبيرة في هبوط أسعار الأقراص بشكل كبير فالجميع بائع بالجملة وبائع بالمفرق، ليصل سعر القرص الواحد في بعض الأحيان إلى 35 ليرة سورية.

وقد ترافقت فورة الأقراص المدمجة بفورة أخرى في استخدام برامج الكومبيوتر التي تبدأ ببرامج 

الـ (Photoshop) وتمر ببرامج المونتاج، ولا تنتهي بالخبرات الكبيرة في فك حماية أهم البرامج وأكثرها تعقيداً، دعمت هذه الخبرات سوق  النسخ بأشكال متنوعة وكثيرة من المواد الجديدة، فكانت فيديو كليبات بأصوات أشهر المطربين العراقيين، على خلفية مجموعة من الراقصات في برامج الفضائيات وخاصة برنامج يا ليل ياعين أو برنامج ببسي ميوزكا، واقتطعت أجزاء من أفلام  جوليا روبرتس ومغ رايان وغيرها من الممثلات وتحولت إلى فيديو كليبات لأغان مثل «على مودك» و «يا سمرا هواك» و «طبل وزرناية»، وأثناء الحرب العراقية، تحول صدام حسين والصحاف إلى أبطال الكثير من الفيديو كليبات الوطنية التي تباع في أماكن شعبية، تمت لها عمليات مونتج خاص بما يتناسب مع الحدث بالإضافة إلى الأغاني الجاهزة المنسوخة عن التلفزيون العراقي السابق،  وساعدت  عمليات النسخ عن الفضائيات المشفرة، بالإضافة إلى  عمليات التبادل مع أسواق النسخ الآسيوية إلى تسريع عملية انتقال أحدث الأفلام الأمريكية المصورة بكاميرا عادية من داخل صالات السينما الآسيوية، إلى أرصفة الطرقات قليل أن تصل كثير من هذه الأفلام إلى صالات السينما السورية.

 

فجأة بعد أن تم تفعيل قانون حماية حقوق الملكية، وإن بشكل جزئي فيما يتعلق بحقوق النشر العربية، ستتحول كلمة نسخ إلى قرصنة، وسيتحول التاجر الصغير بدكانه المقتطع من بيت أهله، إلى تاجر بالممنوعات، فراحت المحال الصغيرة تغلق واحدة تلو الأخرى، بينما يتحضر باعة البسطات لينتقلوا إلى الطرقات الخلفية، بانتظار ما هو قادم.