■ جهاد أسعد محمد ■ جهاد أسعد محمد

حضرت الحسناء فغابت الممثلة!

تميزت الدراما السورية منذ بداياتها بحضور فاعل وعضوي للمرأة/ الممثلة بصفتها مكوّناً أساسياً في المشهد البصري بكل مضامينه وأغراضه، ولم تسجّل الذاكرة التلفزيونية المحلية في أية مرحلة، هامشية أو ثانوية أو نمطية هذا الحضور، كما لم يُتعامل مع الممثلة بصورة مسطّحة انطلاقاً من مستوى جمالها أو إثارتها أو بقصد الزينة أو الزركشة أو الترويج، بل بقدر موهبتها وقدرتها على تقمص الدور المنوط بها تجسيده.

وحتى في الفترات التي كان من المتعذر فيها إيجاد ممثلة مناسبة لتجسيد كاركتر نسائي محدد، لم يتم اللجوء لعديمات الموهبة، إنما كان يُعهد لبعض الممثلين/ الرجال القيام بهذا الدور مستعينين بالمكياج والأزياء المناسبة، ولعل الكثيرين يذكرون شخصية «أم كامل» التي طالما أدّاها الفنان الراحل أنور البابا باقتدار وحنكة وإقناع.

وانطلاقاً من ذلك، استطاعت الممثلات السوريات منذ سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، على قلتهنّ حينها، وبغض النظر عن مستوى جمالهن، أن يثبتن جدارة عالية في حضورهن الدرامي، وأن يتركن بصمات كبيرة في هذا المجال من خلال «الكاركترات» الصعبة التي جسّدنها، والتي ستبقى حاضرة في أذهان الناس مثل: شخصية «فطوم حيص بيص» للفنانة نجاح حفيظ، وشخصيتي «جواهر» و«زنوبيا» للراحلة سلوى سعيد، و«فوزية» لمها المصري، و«الأميرة الشمّاء» للراحلة ملك سكر.. والكثير الكثير من الكاركترات المعقدة التي تمكنت من تجسيدها كل من منى واصف وسامية الجزائري والغائبة لينا باتع، والشقيقتان ثناء وثراء دبسي والراحلتان مها الصالح وهالة وشوكت.. وسواهن...

واستمرت المناخات الفنية السورية طوال العقد الأخير من القرن الماضي في خلق ممثلات حقيقيات انطلاقاً من الشرط الأساسي نفسه، أي الموهبة أولاً وأخيراً، وقد تمكنت الجديدات الوافدات بمعظمهن من رفد الساحة الدرامية المحلية بالجديد والمتميز والخلاّق، وبرزت فنانات على درجة عالية من الموهبة والكفاءة والثقافة الفنية، ظن الجميع أن أمامهن فسحة واسعة للتألق والعطاء، ولكنهن بصورة غير منتظرة، لم يحصلن على ما هنّ أهل له من التقدير والشهرة والجزاء، بل وسرعان ما رحن يُدفعن إلى الصف الثاني فالثالث مع بداية الألفية الجديدة، لأن المعادلة اختلفت مع بروز الفضائيات وبدء تحكم جهلة أصحاب الرساميل الإنتاجية بالمقادير والمعايير الفنية، والذي سرعان ما انعكس محلياً على آليات توزيع الأدوار الدرامية والفرص الممنوحة للموهوبات، وربما على شروط القبول في المعهد العالي للفنون المسرحية أيضاً، لنجد أنفسنا بالتدرج السريع أمام منجز درامي محلي يضم كماً هائلاً من «النجمات» الحسناوات المتشابهات شفاهاً وخدوداً وأنوفاً وأجساداً، ولكن الفقير بالممثلات!

اليوم، ورغم تخاذلها في الدفاع عن الكثير من ممثلاتها الأصيلات، تتربع الدراما السورية على عرش الدراما العربية بسبب محافظتها النسبية على مضامينها الرصينة من جهة وهذا يتحمل عبأه الكتاب، وبسبب حرفية فنييها القابعين خلف الكاميرات الذين يبذلون جهوداً مضاعفة مع الحسناوات ليحسنّ أداء أدوارهن من جهة أخرى، لكن سطوة رأس المال التي فرضت الحسناوات وهمّشت الممثلات ما تزال تسعى لفرض كامل شروطها على المضامين وبقية العناصر الفنية، وإذا ما استمر القيمون على «درامانا» بتقديم التنازلات لأميي الدراما، سيجدون أنفسهم فجأة بلا هوية وبلا جذور وبلا رسالة.. وبالتالي بلا جمهور.