عزمي بشارة يسأل: ما القدس؟ لماذا القدس؟

«ليست مهمتي تفكيك الأساطير، سأتعامل مع القدس كمعطى رئيس تحت الاحتلال. إن الاستعمار منذ الغزو الصليبي استخدم الرموز الدينية وكذلك الاحتلال الإسرائيلي، وأيضاً النظم العربية وحركات التحرر الواقعة تحت الاحتلال، أو التي تناولت القدس من منحى ديني».

جاء هذا الكلام في المحاضرة التي قدمها المفكر والباحث الفلسطيني الدكتور عزمي بشارة في قاعة رضا سعيد بجامعة دمشق تحت عنوان «ما القدس؟ لماذا القدس؟»، والندوة من تنظيم صالة «رفيا» للفنون، وإدارة وتقديم الفنان بسام كوسا.
 وأشار بشارة إلى أن الدفاع عن المسجد الأقصى وجميع المقدسات في الأراضي المحتلة قضية تحرر وطني بامتياز، داعياً الأمتين العربية والإسلامية إلى اتخاذ مواقف جادة ومسؤولة تجاه القضية الفلسطينية ومقدساتها.
ولفت إلى أن الكيان الصهيوني يستخدم خطاباً إعلامياً ضبابياً يحاول من خلاله تضليل الرأي العام العربي والعالمي متذرعاً قبوله مبادرات السلام؛ لكنه يقوم على أرض الواقع بتجريف الأراضي وهدم المنازل وتهجير الفلسطينيين وقتل الأطفال والنساء والشيوخ. وما يؤكد ذلك حربه الهمجية الأخيرة على قطاع غزة التي لم تعرف البشرية مثيلاً لها.

وأكد بشارة على أن مناقشة القضية الفلسطينية بوجود الاحتلال يجب ألا تقتصر على من هو متدين ومن هو علماني، وإنما على من هو مع الاحتلال ومن هو ضده.
مضيفاً انه يوجد تضليل ديني في كيفية تصوير إدارة حركة حماس لقطاع غزة المحاصر، قائلاً: «لو كان هناك فصائل ماركسية تقاتل إسرائيل من غزة لحوصرت، والأمر لا علاقة له بالتدين أو بتصويرها على أنها تيار ظلامي، بطريقة تربك المجتمع العربي».
أما الحوار الفلسطيني الفلسطيني، فقد تناوله بشارة من زاوية عملية السلام التي تهدف إلى وضع نموذج شبيه بجنوب إفريقيا (حصر أكبر عدد من الفلسطينيين في أصغر رقعة من الأرض)، للحفاظ على (إسرائيل)، وقال: «هل يستحق هذا الكيان الفلسطيني المنقوص السيادة بوظيفته التاريخية هذه أن يكون موضوعاً لحرب أهلية فلسطينية؟». لافتاً إلى أن مختلف الحلول والمفاوضات التي طرحت بما فيها أوسلو، مبنية على إستراتيجية واحدة بعد نهاية حركات التحرر وسقوط الاتحاد السوفياتي، وهي بقاء أمريكا كقوة متفردة تضمن بقاء (إسرائيل) عبر إلغاء حق العودة، ودون القدس أو السيادة.
ووصف بشارة الورقة المصرية للمصالحة بأنها (مجرد ديباجة) تهدف بالنتيجة لإجراء الانتخابات التشريعية، متهماً إياها وحركة فتح  بالتواطؤ مع الاحتلال للإطاحة بما يصفونه بـ(الإمارة الظلامية)، لافتاً إلى مفارقة أن كل الدول العربية المستقلة لا يوجد فيها انتخابات فيما تشهد فلسطين المحتلة انتخابات!.

وفيما يتعلق بموضوعة الانتخابات الرئاسية والتشريعية المقبلة قال بشارة: «هل من الممكن لقيادة وطنية أن تتفق مع المستعمر على شعبها من أجل الانتخابات، في الوقت الذي يفترض فيه أن تدعو لحكومة وحدة وطنية؟» وصولاً لنتيجة مفادها أن كل ما سبق هو تحصيل حاصل لواقع الدول العربية.
ورفض بشارة الأطر التي تغلف الصراع العربي الإسرائيلي اليوم، منوهاً منذ البداية إلى رفضه مختلف أشكال التعاطي الديني مع الاحتلال، بدءاً من ملاحظاته حول كيفية اختيار القدس عاصمة للثقافة العربية تحت الاحتلال، إلى رفض الدخول في الأطر السردية التاريخية المسيحية واليهودية والإسلامية في القدس».

ونبه بشارة إلى مسالة خطيرة يتم التعاطي معها بشكل مشوه وهي التغطية الإعلامية لما يجري في الحرم القدسي، ذلك أن هذه التغطية لا تمتد إلى عرض ما يحدث فعلياً من حكومة الاحتلال، وتقتصر على الجمعيات الدينية التي تحاول اقتحام المسجد الأقصى، حيث يميل الإعلام لتغطية هذه الانتهاكات، علماً أن غالبية القادة الروحيين لدى اليهود تحرم صعود جبل الهيكل لأن شروط دخوله لا تتوفر اليوم وفقاً لمعتقداتهم. وأن هذه المحاولات تتم في أطر سياسية، وعملية التسييس تتم من قبل (الصهاينة العلمانيين) لحشد الرأي العام وذلك على الرغم من تناقضه مع معتقداتهم.
وبيّن بشارة وجود نمط قومي ديني جديد بين اليهود، في ظل وجود محاولات لتقاسم المسجد بعد تقاسم الحرم الإبراهيمي في الخليل، متسائلاً: هل يخلق ذلك رمزاً من رموز سيادة الاحتلال؟

 ما وراء الحدود

 وعلى هامش المحاضرة أقامت صالة رفيا للفنون معرضاً للتصوير الضوئي بعنوان «ماوراء الحدود» في قاعة رضا سعيد. يشارك فيه عشرة فنانون فلسطينيون صوروا بأساليب فنية مختلفة المأساة الفلسطينية وقصة المعاناة والمقاومة ضد الاحتلال عبر التشبث بالأرض والهوية والانتماء. الفنانون هم: غريب طوقان، رنا بشارة، رؤوف حج يحيى، رُلا حلواني، سما الشايبي، سميرة بدران، شريف واكد، طارق الغصين، تيسير بطنيجي، يزن خليل.