«نور الشمعة».. نور الوطن

بمبادرة من بعض المبدعين والهواة قدم على مسرح المركز الثقافي بدير الزور العمل المسرحي «نور الشمعة» ضمن مهرجان ربيع الأطفال المسرحي الثالث اعتباراً من 7/1 ولغاية 17/1 وقد اتسمت هذه المبادرة بجانبين إيجابيين مهمين:

1. تكريم خاص من أسرة العمل لبعض المبدعين في دير الزور  ومن أبرزهم الكاتب سعد صائب، والموسيقي الراحل يوسف الجاسم (أبو حياة) والموسيقي محمود اسماعيل، وبعض الشعراء والفنانين. هذا التكريم باعتقادي وباعتقاد المكرمين هو أغلى بكثير من التكريم الرسمي الغائب للمبدعين الحقيقيين.

2. الإصرار على تقديم العمل المسرحي . . . رغم أن الإعلان الرسمي جاء متأخراً ومشوها ًومحدوداً، ولا يشير إلى العمل إلا بالاسم، أما الصور فكأنها دعاية لـ«حفوظات» الأطفال.

وعودة إلى العمل المسرحي «نور الشمعة» الذي استحق التقدير والإعجاب من الأطفال والكبار على السواء، وقبل مناقشته فنياً أود أن أشير إلى التجاوب والتفاعل الكبير من الجمهور، مما يؤكد أن جمهورنا يميز العمل الفني الجاد ويتجاوب معه، وكذلك عدم صحة المقولة التبريرية على طريقة المصريين «الجمهور عاوز كده» التي تبرر الأعمال الهابطة. كما بين هذا العمل المسرحي عمق الحس الوطني ورسوخ فكر المقاومة لكل اضطهاد وظلم، فالأحداث يمكن إسقاطها على الصراع الطبقي في المجتمع، وعلى نقد بعض المفاهيم الاجتماعية الخاطئة والتركيز على أهمية الوحدة الوطنية من خلال تماسك المجتمع وتمحوره حول قيم العمل والخير والعدالة . .

تتركز أحداث العمل حول أسرة فقيرة تتعرض للضغوط الاجتماعية والاقتصادية، فالأب معاق، ويضطر للعمل في بيع الجوارب متنقلاً من مكان إلى آخر والأم تعمل في خياطة الثياب لتساهم في تأمين كفاف الأسرة، وبسبب طمع وجشع العم في منزل الأسرة يقوم بقطع الكهرباء عن منزلهم، فتعيش الأسرة، وتستمر الأحداث على ضوء الشموع.. ولهذا السبب ولضيق ذات اليد تعجز الطفلة ياسمين عن استكمال رسومها الفنية، والطفل زياد لا يستطيع العزف على عوده لعدم قدرته على شراء أوتار له.

وأمام تماسك الأسرة وتصميمها على مواجهة ظلم العم وجشعه وعدم التنازل، وبالتعاون مع معلم الموسيقى تشارك ياسمين في مسابقة الرسم، وتتخلى عن غناء الأغاني الهابطة مثل أغاني نانسي عجرم، وتتجه نحو الأغاني التراثية، وتستطيع أن تفوز بالجائزة الأولى، كما ينجح زياد في المشاركة في مسابقة الموسيقى بعد أن يقدم له المعلم عوده، وهو عود الموسيقي الراحل «يوسف الجاسم» ويفوز بالجائزة، وهذا تأكيد على أهمية المحافظة على التراث والتواصل بين الأجيال . . بين القديم والحديث .

وتتواتر الأحداث، يفقد العم الظالم الجشع الدفء، ويتعرض للبرد القارس، فيلجأ إلى بيت أخيه الفقير . .  فتحتضنه ابنة أخيه وتقوده إلى المدفأة وتفرك يديه بيديها الصغيرتين فيحس بخطئه ويتراجع عن مواقفه . . . ويعيد لهم الكهرباء.

تجري أحداث العمل تحت أضواء الشموع، و أبرزها شمعدان «الحكيم» الذي يتدخل بين المشاهد ممثلاً لصوت الحق والعدالة والضمير.

فكرياً: حمل النص العديد من الأفكار الرئيسية كفكرة «العمل» كقيمة اجتماعية، وضرورة مواجهة الظلم، وكذلك الكثير من الأفكار الثانوية حول الأعمال الفنية الجيدة والهابطة ودور الفن كالرسم والموسيقى في حياة الإنسان.

هذا الزخم الفكري رغم فائدته، إلا أنه شتت الجمهور، إذ لا يمكن الإمساك بالخط الأساسي للعمل المسرحي بسهولة. كما يلاحظ وجود بعض الأفكار المتناقضة مثل فكرة التسامح مع العم الظالم والجشع  الفاسد حتى أخلاقياً، فهل يمكن التسامح مع هؤلاء وماشابههم وهم كثر في المجتمع والدولة كعبد الحليم خدام وأمثاله؟

وأحياناً طرحت الأفكار بسطحية ومباشرة لاتنسجم مع المسرح، فقد اعتمدت أسلوباً خطابياً، ومثال ذلك: عندما يقول الحكيم: «العامل شمعة، المعلم شمعة، الفلاح شمعة . . .» كما جرى إقحام بعض الأناشيد والأقوال إقحاماً مثل: «سورية الله حاميها».

فنياً: تميز العمل بأداء عال من الممثلين صغاراً وكباراً لولا بعض الهنات البسيطة التي يمكن تداركها مثل ضعف صوت الممثلين، وطغيان صوت الموسيقى المرافقة، وأخطاء قليلة كأن يعطي الممثل ظهره للجمهور وهو يؤدي الحوار.

وتميز الديكور بالبساطة في التعبير مما ينسجم مع طبيعة العمل، وكانت الإضاءة بالشموع فقط تعطي جواً متناقضاً بين ظلمة الفقر والقهر ونور الشمعة المتمثل بنور الأمل الذي لا ينتهي.

عموماً «نور الشمعة» أكد على البعد الوطني والقيم الاجتماعية وهو  يمثل فعلاً «نور الوطن» الذي لا يمكن إطفاؤه، ولابد من التأكيد على أهمية توفير الدعم الفني والمادي للمبادرين والمبدعين، وهم كثر، بدلاً من صرف الأموال على رفاهية المسؤولين الذين تغيبوا عن الحضور ومن جاء ممثلاً لهم غادر قبل أن ينتهي العمل!؟

كل الشكر لمؤلف العمل محمد الناصر و للمخرج مهند الموح وللموسيقيين سعيد حمزة ومحمد جراد اللذين أتحفانا بإحياء بعض الأغاني التراثية الرائعة كأغنية «يا خشوف»، وكل الشكر للممثلين الذين تحملوا الجهد على مدى عشرة أيام.

 

 زهير المشعان ـ دير الزور