الدراما السورية «الرمضانية».. وماذا بعد المراوحة؟

ازدحمت الشاشة السورية بقنواتها الثلاث والشاشات العربية الأرضية والفضائية بعدد كبير من المسلسلات السورية، التي تنوعت وشملت الدراما التاريخية والاجتماعية والكوميدية، وغابت عنها لأول مرة منذ سنوات عديدة الفانتازيا التي أصبحت عموماً ذات سمعة سيئة لدى الجمهور العربي عامة والسوري على وجه الخصوص، وربما هذه من النقاط القليلة التي تحسب لها هذا العام، مع غياب أو انخفاض السوية العامة لها، والتي شملت معظم المسلسلات، مع استثناءات بسيطة تكاد لا تظهر في فيض الأعمال التي يمكن أن نصفها بأنها ذات مستوى فني متدن،

فإذا استثنينا بعض الأعمال النادرة التي تتمتع بمواصفات الدراما الحديثة والموضوعية والتي تحترم عقول الناس وترتقي بذائقتهم الفنية والأخلاقية، كمسلسلي «المرابطون» و«عصي الدمع» لحاتم علي و«الشمس تشرق من جديد» لهيثم حقي، وبعض المسلسلات الأخرى التي سمعنا عنها ولم نشاهدها، فإن ما تبقى من هذه الأعمال تراوح مستواها بين المتوسط والمتواضع والسيئ، وهذا لا نقوله اعتباطاً أو بدوافع ونوايا سيئة، وإنما هو واقع تلمسه المشاهد المحلي والمشاهد العربي، والأدلة عليه كثيرة ولا تحتاج كثيراً من العناء لإثباتها، وكمثال على ذلك نستشهد بنموذج واحد في قراءة سريعة:

الظاهر بيبرس.. الطامة الكبرى

لعل أكثر ما بعث الأسى في نفس المتتبع لحلقات مسلسل الظاهر بيبرس، هو ذلك الحجم الكبير من الأخطاء اللفظية في اللغة العربية التي وقع فيها أيطال المسلسل دون استثناء، وكذلك الممثلون الثانويون و«الكومبارس» والتي كان بإمكان المشاهد العادي أن يحصي عدداً كبيراً منها في كل حلقة، الأمر الذي ساهم مباشرة في تخفيض القيمة الفنية لبقية العناصر الفنية، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإن الحوارات جاءت ضعيفة وركيكة وخاصة تلك التي كان الظاهر بيبرس «عابد فهد» طرفاً فيها، فلا هي غاصت في عمق الشخصيات لتسبر أغوارها وتقدم عالمها النفسي للمتلقي ليتفاعل معها، ولا هي غطت على فقر المشاهد الحماسية التي من المفترض أن يغتني بها المسلسل التاريخي، خاصة أنه يتحدث عن واحد من أبرز القادة العسكريين والسلاطين المشرقيين في العصور الوسطى.

المسلسل ظهرت عناصره الفنية بأضعف أشكالها وتحولت إلى عبء عليه بدل أن تكون دعامات له، ونبدأ من الشارة التي أتحدى من كتبها ولحنها ووزعها واعتمدها، إن كان أحد من الجمهور قد فهم كلمة واحدة منها، أما الموسيقا التصويرية فكانت في منأى عن كل ما يجري من أحداث إذ راحت تعلو وتنخفض، تخبو وتتصاعد في عالم معزول عن الحوار وطبيعة المشهد، وكذلك الرقصات «المقحمة» فقد بدت وكأنها هاربة من مسلسل فانتازي يتحدث عن أقوام من عالم آخر، والكلام ذاته ينطبق على الملابس «الرجالية والنسائية» التي لا ندري متى وكيف كان يلبسها العرب وأين كانوا يصنعونها؟!

وفيما يتعلق بالتصوير، فرغم أنه كان الأكثر تميزاً بين جميع العناصر الأخرى، إلا أن الفراغات الهائلة في الصورة، وهذه مسؤولية المخرج أولاً، ضيعت بهاء الصورة ورغبتها الكبيرة في الإقناع.

إذاً، المأساة الكبرى تكمن في الإخراج، ولاحقاً في المونتاج، فالمخرج محمد عزيزية ورغم خبرته الكبيرة، كان غائباً في الغالبية الساحقة من المشاهد، ولم يستطع أن يجند العناصر المختلفة من ممثلين وفنيين وكومبارس وديكور وإضاءة وملابس وموسيقا تصويرية وغيرها لخدمة عمله الفني، وغيابه هذا انعكس سلباً وبشكل كارثي على مجمل الأداء العام لجملة العناصر الفنية، حيث تشتتت الجهود الفردية، وانعدمت اللمسات الإبداعية، ولولا رغبة الجمهور في تتبع الوقائع التاريخية، لما حقق المسلسل أية متابعة. وزاد من تدهور المسلسل الإطالة المتعمدة التي لجأ إليها القيمون على هذا العمل في الحلقات العشر الأخيرة، حيث راحت التداعيات واستحضار الذكريات السعيدة والحزينة لأبطاله، تذكر المشاهدين بالكابتن ماجد وهو يسدد الكرة باتجاه المرمى فلا تدخله إلا بعد عشر حلقات!!

 

فهل هكذا تكون الدراما؟ وهل هذه بداية التراجع وربما اضمحلال الدراما السورية التي لم تصل إلى ما وصلت إليه إلا بجهود جبارة بذلها السابقون، وبعض المعاصرين؟ إذن فلننتبه...