مهرجان دمشق للثقافة والتراث... كفى خداعاً!!

أقامت محافظة دمشق بين 2-8 أيلول الجاري مهرجان دمشق الثاني عشر للثقافة والتراث بمشاركة فرقة إنانا للمسرح الراقص وعدد كبير من الفنانين والباحثين والأدباء والفرق المسرحية، وشملت نشاطاته العروض المسرحية وخيال الظل والمحاضرات التراثية والثقافية واللقاءات الحوارية والمعارض الفنية.

واحتضنت هذه النشاطات قلعة دمشق ومكتب عنبر وبيت نظام، وعدد من الأحياء التراثية... ساروجة، الشاغور، الصالحية...إلخ.

ورغم أهمية هذه التظاهرة الثقافية السنوية كفكرة، كونها منوطاً بها المساهمة الفعالة في تنشيط الحياة الثقافية في العاصمة، وإعادة بعض الاعتبار لمدينة دمشق ولأوابدها وتاريخها وتراثها الثري، وإعادة الروح للعلاقة بين الإنسان والمكان، إلا أن المهرجان ومنذ انطلاقه قبل اثني عشر عاماً، لم يستطع التقدم خطوة واحدة في هذا الاتجاه... وتحديداً هذا العام، حيث مرت جميع الفعاليات مرور الكرام، من دون أن تترك أي أثر إبداعي أو فكري أو اجتماعي، وبعضها لم يسمع به الجمهور على الإطلاق!!

فمع تواضع الإعلان ـ ولن نقول الحملة الإعلانية ـ الذي سبق ورافق المهرجان، ومع تواضع معظم الفعاليات فنياً وفكرياً، واعتماد بعض العروض المسرحية التي سئم منها الجمهور بسبب تكرار عرضها، ومع ضعف الميزانية المرصودة لهذه التظاهرة، جاء مهرجان هذا العام، مثله مثل المهرجانات السابقة، هزيلاً ومتواضعاً، وغاب عنه الجمهور المحلي والأجنبي، وأهملته الصحافة... ولم تنقذ النشاطات من عزلتها المنصات والخشبات التي أقيمت على عجل في ساحات بعض الأحياء، حيث ظل معظم الناس يمرون من الزواريب الضيقة التي تركتها لهم أمزجة مصممي الديكور من دون أي اكتراث. كما لم تساهم بقية النشاطات الأخرى في كسر الجمود الذي أحاط بالمهرجان، وربما يعود ذلك إلى أن إدارة المهرجان لم تستطع عبر السنوات الماضية أن تخلق حالة ثقة وتواصل مع سكان العاصمة، ولم تتمكن من الارتقاء بمستوى الفعاليات، فهي وكما بدا من خلال الأجواء العامة والاستعدادات الأولية، ينقصها الكثير من الجدية والمتابعة والإمكانيات المادية والمعرفية.

ولعل محافظة دمشق ـ منظم المهرجان ـ والتي لا تحظى بسمعة حسنة لدى الناس لأسباب متعلقة بعلاقتها التاريخية مع أبناء المدينة ومع أوابد المدينة وأحيائها القديمة والحديثة والعشوائية، غير قادرة أصلاً على إقناع سكان دمشق بحرصها على الثقافة والتراث ورعايتهما، وكيف يكون ذلك وهي من ساهم إلى حد كبير في تشويه أقدم عاصمة في التاريخ وجعلها بلا هوية من خلال هدم وإهمال أكثر من 50% من بيوتاتها التراثية الساحرة!؟

 

وإذا تركنا هذا الأمر جانباً، وتحدثنا عن الميزانية المخصصة للمهرجان، أفلا يثير الاستغراب أن المحافظة ترصد الملايين لمشاريع وهمية (إزالة أرصفة واستبدالها بأرصفة أكثر سوءً على سبيل المثال)، ولا تخصص لمهرجان يحمل مثل هذا العنوان الضخم (الثقافة والتراث) ميزانية مقبولة؟ ألا يستحق مهرجان كهذا حملة إعلانية جيدة على الأقل؟ ألا يستحق أن تدعى إليه فرق فنية وشخصيات أدبية مرموقة محلية وعربية وأجنبية؟ والأهم من ذلك: أليس من واجب المحافظة أن تحول شعاراتها التراثية إلى أفعال، وتسعى بشكل جدي وفوري لإنقاذ ما تبقى من وجه دمشق التاريخي الجميل؟ أم أنها تريد أن يبقى للتراث أسبوع واحد متواضع في العام... فيما يستمر الذبح والتشويه بقية أيام السنة؟ هذا هو السؤال؟؟!