نبيل محمد نبيل محمد

«دكان شحاتة» مجازاً لقاع مصر

لا يحيد خالد يوسف عن الرسالة التي يسعى لتقديمها مع اختلاف الموضوعات التي يتناولها، فيجب دائماً أن يقدم صور سواد الشعب المصري ومعاناته وفقره وانقياده خلف لقمة العيش، هذه المعاناة التي ظهرت جليةً في فيلمه «حين ميسرة»، وتظهر بوضوح أيضاً في فيلمه الجديد «دكان شحاتة»، فالدمج بين العام والخاص والذي قد يشكل شبه انفصام في المشاهد يقدم دائماً صورة جلية وفاضحة عن الحياة العامة في مصر.

«دكان شحاتة» كتلة بصرية مزدحمة بمشاهد تبدو مقحمة إقحاماً إلا أن يوسف يقصدها بذاتها منطلقاً كعادته من صور توثيقية للمانشيتات الصحفية التي تصور الوضع العام ووضع مصر في سنوات سابقة، وصولاً إلى زمن الفيلم وقصته التي ظهرت كلاسيكية جداً، فهي عن عائلة تعب الأب في تربيتها ووصلت إلى مرحلة الانشقاق بين الإخوة الذين يريدون استبعاد شحاتة «الولد الأصغر» عنهم والذي يظهر وفياً مخلصاً والذي يقترب بقصته إلى قصة النبي يوسف، فأخوته لا يحبّونه ولا يريدونه بينهم مقابل والده الذي يجده أفضلهم.

يمر الرمز في الفيلم مرور الكرام بهدف الدخول كعنصر رصين يؤدي الرسالة العامة به، فمصر تبدو  جميلة من أعلى من خلال المنظار على خلاف ما هي عليه في الواقع السفلي، وصورة جمال عبد الناصر لا تستطيع أن تغطي الشرخ الكبير في الجدار، هذا الشرخ الذي خلف شعباً جائعاً يقف في وجه قطار المؤن ليسلب ما به من قمح ويتراكض على الفرن للحصول على الخبز وعلى العربة لشراء الماء الشحيح، هذا السعي الذي يبدو كفيفاً ضعيفاً لا يعي الوضع العام فلا يهم من هو المرشح في الانتخابات بل من يدفع للناخب أكثر خلال الحملة الانتخابية، ولا يهم من يشتري الدكان بل من يدفع أكثر وإن كان الشاري هو السفارة الإسرائيلية، هذا العمى عن القضايا العامة يبرره الفقر والجهل والانقياد دون حساب النتائج.

أما هيفاء وهبي «بيسة» هذه الفتاة التي تربطها بشحاتة علاقة عاطفية عميقة  تظهر كعنصر تناقض في القصة والصورة بعناصر تناقض واضحة من خلال فستانها الجميل المزركش ومكياجها الحاضر دائماً وغير المنتمي إلى هذه البيئة الشعبية الفقيرة، وهذا الأخ الصلب المتعصب عليها، بالإضافة إلى تركيز الكاميرا على جماليات جسدها وإغرائها لتشكل نوعاً من أنواع الشد والتشويق والتسويق للفيلم بشكل عام، ضارباً بعرض الحائط الدور الذي تلعبه الشخصية وعضويتها في القصة، بالإضافة إلى الأخ (المحشش) الكوميدي الذي يبدو أيضاً عنصراً للشد وإبعاداً لعين المشاهد عن الشطط واندماج الصورة العامة بالرسالة الكبرى بخصوصية الفيلم والإيهام بعدم وجود قطع أو شرخ مع المشاهد.

إياً كانت طبيعة الفيلم والنقد الذي أثير ويثار حوله إلا أنه من الواجب القول إنه يقف وراء الفيلم مخرج يريد إيصال رسالة لا يسعى غيره لإيصالها، أو أن لا أحد يقف هذا الموقف الجريء الذي قد يدفع ثمنه غالياً، ويصور مالا يصوره غيره، فإن لم ندخل في خصوصية المادة السينمائية وبنائها وكتلتها البصرية فنحن أمام رسالة كبيرة جداً ومن الجميل تأديتها في أوضاع متردية كهذه.