نبيل محمد نبيل محمد

الرؤية المشرقية لإعلام سوري جديد

يعرض تلفزيون «المشرق» برنامج «قصة مدينة» الذي يتناول المكان كبيئة اجتماعية ثقافية اقتصادية، والميزات التي يتفرد بها هذا المكان عن غيره، متوسعاً في نقاشه لقضايا عامة تتجاوز حدود المكان الذي تتناوله الحلقة، وقد ظهر هذا جلياً في نقاشهم لمدينة بانياس والعلاقات الاجتماعية فيها، ومن ثم لمدينة «القريا» حيث لم يعد الموضوع هو هذه المدينة وطبيعة سكانها وجوها وبنيتها الجغرافية وجذورها التاريخية، بل أصبح الموضوع هو موضوع التزاوج بين الطوائف، على اعتبار أن هذه المدينة «القريا» تحقق تنوعاً ديموغرافياً سكانياً، ولم يعد مجرد التزاوج بين اللونين الموجودين في «القريا» هو الموضوع الرئيسي، بل تجاوز ذلك إلى موضوع حرية العلاقات الاجتماعية، وواقع الشرق في رؤيته للانتماء الديني ومنطق الاختلاط، وهذا ما يؤكد جلياً الموضوعات التي يهدف القائمون على تلفزيون «المشرق» تقديمها بطريقة المناوشة أو التعريج على موضوع معين من خلال تناول موضوع آخر، فموضوع تزاوج الطوائف هو موضوع جدلي صعب الطرح بصيغة واضحة المعالم ومباشرة، لذا اقتضى ذلك تناول قصة مدينة معينة ومن ثم التعريج على القضايا العامة في تلك المدينة والتي تبدو شاملةً للوطن ككل، وبالفعل تمت مناقشة الموضوع بواقعية آخذين آراء أهل المنطقة ورجال الدين، ليبدو من خلال ذلك التنوع في الرأي، ويحقق البرنامج من خلال هذا مغزى كبيراً وقضية تحسب للقائمين عليه

إلا أن المفاجئ في كل هذا، وما يعتبر مشكلة حقيقية في الفضائية ككل، هو التناقض الرهيب بين مضامين البرامج، هذا التناقض الذي تسعى الفضائية من خلاله لتحقيق التنوع، إلا أن هذا التنوع لم يعد مجرد تناول عدة موضوعات أو التوجه لكل أطياف المجتمع الفكرية والمعرفية والاقتصادية، بل إن هذا التنوع بدا منحازاً نحو محاولة خلق مادة إعلامية تحقق تميزها من خلال خرقها لكل ما هو سائد إعلامياً، أو مادة تحقق الجماهيرية بغض النظر عن مضمونها، وبالفعل فبعد تقديم برنامج «قصة مدينة» تم تقديم برنامج «حياة الآخرين» هذا البرنامج الذي إذا أخذنا مضمونه العام على وجه إبداء الرأي نجده برنامجاً منطقي التناول والفكرة، بحيث يمكننا من خلاله التعرف على بيئات نحن بعيدون عنها وغير متعرفين على طبيعة حياتها، إلا أن البرنامج لم يعد مجرد تعرف على بيئة معينة بقدر ما هو رصد لمغامرات الشباب المشاركين في البرنامج في تلك البيئات، فعندما تم تقديم حلقة عن حياة البدو، بدا البدو هامشيين هم وحياتهم ليظهر شباب الحلقة هم الأساسيون في البرنامج الذي يرصد تعاملهم مع حياة البدو بصور فجّة، وليقدمهم للجمهور بصيغتهم المدنية ضمن مجتمع آخر راصداً حركاتهم المفتعلة، وردود أفعالهم التمثيلية، وتصرفاتهم الساذجة، واستخفافهم بالمكان الذي يزورونه، وتضييعهم للمغزى العام للبرنامج... وكأن هدف البرنامج هو إظهار الشباب السوري المتمدن، وفق صورة الشباب المتحرر الجريء المغامر الشجاع... وليس التعريف ببيئة جديدة على المشاهد، ورصد هذه البيئة بكل تفاصيلها، خاصة وأن البرنامج يسير ضمن سياق مسابقة بين فريقين من الشباب يفوز في ختامها الأكثر تأقلماً مع البيئة، وهنا تلعب الكاميرا دور المراقب لتصرفات وحركات الشباب «الكوول» واضعةً حياة البدو خلفها أو ملخصةً موضوع الحلقة كمادة خلفية أو راكور أو ديكور يؤمن للصبايا والشباب بيئة ملائمة لخفة الدم.

وهكذا تتناقض المواد التي تقدمها وسيلة واحدة وفق اعتقاد القائمين على هذه الوسيلة بأن التنوع يتم تحقيقه من خلال هذا التناقض الفج، ليبدو من خلال هذا البرنامج وذاك ضياع الرسالة العامة وانعدام الهوية الفكرية المحددة، لتحافظ الفضائية بذلك على هوية بصرية فحسب لا يزيد عليها إلا عدد بسيط من البرامج التي من الجيد صرف عدد من الساعات شهرياً في متابعتها.