خليل صويلح خليل صويلح

بين قوسين:حتى يسيل الدهن  من اللحى

تشبه وليمة الدراما الرمضانية، المنسف العربي، إذ يسيل الدهن من اللحى، أينما توجهت: حارات مغلقة على أمجادها، وبدو رحّل غارقون في الثأر والعشق والمكائد، وجاهليون بسيوف تلمع في الصحراء، وجرائم قتل وخيانة في شوارع اليوم.

لا تعلم أين باب النجاة في هذه المتاهة البصرية، حتى أنك، فيما لو نظرتَ في المرآة، لن تعرف من أنت: جاهلي أم بدوي؟ مجرم أم تاجر مخدرات، محارب أم ضحية مؤامرة؟ هل ترتدي الطربوش أم العمامة، العقال أم القبعة؟ وهل تتكلم العامية أم الفصحى أمام صاحب البقالية، وهل تقول له أن يسجّل ديونك باسمك الحقيقي أم باسم عكرمة بن حوقل مثلاً؟ وليمة باذخة من الخدر العام الذي تقدمه الفضائيات العربية مجاناً، كي تغرق في الرمال أكثر. أنت النعامة التي تدفن رأسها في الرمال كي لا تواجه حقيقة ما تعيشه. تحلم أن تربح المليون، أو سيارة فاخرة، أو ليرة ذهبية، وحتى مكنسة كهربائية أو طنجرة. أحلامك موجودة في هذا الصندوق العجيب، فما عليك إلا أن تسترخي طوال اليوم، عسى أن يبتسم لك الحظ في جائزة. لا تتردد في استلال هاتفك النقّال والاتصال بهذه المحطة أو تلك، فالذهب بانتظارك، دون أن تجهد نفسك في الحفر والتنقيب. هاتفك النقّال هو معولك إلى السعادة المنتظرة. لاتفكر بعدد الوحدات المهدورة، فغداً لناظره قريب، وستكون أحد «أعضوات الحارة» بخنجر على خاصرتك أو بخيزرانة في يمينك، أو ببارودة تواجه دبابات المستعمر. اختر فتاة أحلامك من أحد المسلسلات المعاصرة، فالحب ورقة رابحة على الدوام. برسالة قصيرة تحقق موعداً عاطفياً، وبكبسة زر تغادر بيتك في العشوائيات إلى إحدى الضواحي الحديثة، ثم تفرّغ للروحانيات والتأمل، بعد وجبة مختارة من أفكار هذا الشيف أو ذاك. هل لاحظت كم الحياة سهلة وباذخة على الشاشة؟ عشها إذاً، لمدة شهر واحد على أريكة، وكأنك في «ألف ليلة وليلة». شهرزاد بانتظارك حتى انبلاج الفجر أيها الملك السعيد. سافر مع السندباد إلى جزر وبحار بعيدة. أيها الصياد الفقير الأميرة بانتظارك في الحلقة الثلاثين، فلا تحزن، ستنشب الصنارة بالسمكة الذهبية، قبل أن تستيقظ أخيراً على مقبرة من العظام!