عز الدين الأمير.. الالتزام خيار واعي وعبء

عز الدين الأمير.. الالتزام خيار واعي وعبء

لست بمطرب بل مغني .. أكتب الكلمات ولست بشاعر.. أصنع الألحان ولست بموسيقي، هكذا يحب الفنان عز الدين الأمير أن يعرف نفسه.

هو فنان سوري أصيل، من بيئة شعبية حملت الأصالة كما حملت الهم الوطني والإنساني، وقد استقبلنا بكل محبة وود.

اللقاء لم يكن تقليدياً بل كان عبارة عن دردشة وفيض هموم ومشاعر.

الأغنية الملتزمة تخاطب العقل

عزالدين: الالتزام هو خيار فردي واعٍ نتيجة تراكم جملة من العوامل، وأهمها المعرفة والتفاعل الإيجابي مع الوسط المحيط، وبهذه المرحلة أصبح الالتزام عبئاً ثقيلاً على المستويات كافة، وخاصة على المستوى المعيشي والاجتماعي والنفسي، ويمكن أن أشبه ذلك بمن (يمسك بقشة ليحفر بها على الصخر).

أما عن الأغنية الملتزمة فقال: الأغنية الملتزمة تُعنى بالكلمة لتحاكي الفكر، وتخاطب العقل، ويأتي اللحن كغلاف يضفي جمالاً على الكلمة ويسهل عبورها، ورسالتي الفنية عبر الكلمة المغناة غايتها الإنسان والإنسانية.

والفن عموماً يحاكي المشاعر والأحاسيس، والفارق أن البعض يحاكي هذه المشاعر للوصول للخصر، ونحن نحاكي المشاعر للوصول للعقل والفكر.

وعند الحديث عن ألحانه، والتأثر المتبادل بين الكلمة واللحن، قال الأمير: الكلمة إن لم تتغلغل بأعماقي، مؤثرة بعقلي وبمشاعري ووجداني، لا يمكن أن أصيغ منها أي لحن.

هل الالتزام يعتبر قيداً

عز الدين: الإنسان بطبعه تواق للحرية والانعتاق من القيود كافة، وتاريخ الشعوب بحركتها هو تعبير عن جوهر الرغبة بالانعتاق من القيود، ومع الأسف جرى تسخيف لمفهوم الحرية وتشويهه علماً أن الحرية مطلب لشعوب الأرض جميعها، وتتجسد في حرية الكلمة والرأي والتعبير والمعتقد، والالتزام هو أعمق درجات الحرية، باعتباره خيار طوعي وليس مفروضاً من أحد، وبالتالي لا يمكن اعتبار الالتزام قيد.

المدارس الغنائية تأثير وتأثر

وعند الحديث عن المدارس الغنائية، والملتزم منها على وجه الخصوص، ومقدار تأثيرها على النتاج الفني لعز الدين، قال: الإنسان ابن بيئته ووسطه، فأنا متأثر طبعاً بالبيئة التي نشأت فيها بجبل العرب وسهل حوران، وبالوقت نفسه أنا سوري وابن هذه الرقعة الجغرافية المتشابكة مع وسطها ومحيطها العربي، والتي تأثرت بها أيضاً، من الشيخ إمام والسيد درويش ومارسيل خليفة ومحمد منير وسميح شقير والرحابنة وفرقة العاشقين وفرقة الطريق وغيرهم كثر، بالإضافة طبعاً للكثير من أغاني التراث وعمالقة الطرب الأصيل، ذلك كله أثر بذائقتي الفنية وأثراها، والقواسم المشتركة هي: (الهم الإنساني وقضاياه، مصيرية أو حياتية معيشية ويومية- ولغة الخطاب المتمثل بالكلمة التي تخاطب العقل) ولا بد أن يظهر ذلك باللحن أو بالكلمة وحتى بأسلوب الغناء، ولكني استطعت أن أصنع هويتي الفنية الخاصة، ورسالتي بعنوانها العريض (الإنسان) ولا أجد صعوبة في تلحين الألوان الشعرية كلها، وأطمح لأن أخوض تجربة تلحين وغناء اللهجات العربية كلها.

الرعاية والتمويل عوائق أمام الانتشار

يقول الفنان الأمير: لا يوجد رعاية واهتمام بالأغنية الملتزمة، لا على المستوى الرسمي ولا على مستوى المؤسسات الثقافية المعنية، فكيف الحال بالجهات الراعية أو الممولة من القطاع الخاص، بظل طغيان هذا الكم الكبير من أنواع الغناء الاستهلاكي الذي يحقق ريعية وأرباحاً مباشرة وسريعة.

لذلك فإن التمويل الذاتي والشخصي هو المتاح فقط أمام المغنين الملتزمين وفرقهم الفنية، على حساب معيشتهم وضروراتهم الأخرى غالباً، وعلى اعتبار أن الالتزام هو خيار فردي فهؤلاء غالباً ما يدفعون هذا الجزء من الضريبة بمقابل خيارهم.

والتمويل الذاتي والفردي هو المتوفر الوحيد أمامنا، فكيف يمكن أن يكون هناك انتشار لهذا النوع من الغناء بظل التخلي عنه.

فبعض الجهات تتعذر بعجزها عن تمويل محدود لحفل أو أمسية، بالمقابل يتوفر هذا التمويل فجأة لحفل آخر أو أمسية أخرى!.

المُرَوّج والمُسَوّق هو المسؤول عن الغناء الهابط

يقول عزالدين عن الأغنية التجارية والهابطة بأنها ليست مسؤولية المتلقي والمستمع، بل هي مسؤولية المروّج والمسوّق أولاً، ثم يأت دور الجمهور الذي يفرز الغث من الثمين، وهنا يجب أن يكون الدور الأبرز للمؤسسات الرسمية المعنية بالشأن الثقافي والإعلامي.

وأضاف: كل نوع من أنواع الغناء له جمهوره كما له وقته ومكانه المناسب، وبالتالي فكل ما يبذل من الفنانين بهذا الاتجاه هو جهد يجب أن يقدر، وبالمقابل يجب أن يكون له جهته الراعية والمنتجة والمسوّقة، فهؤلاء الفنانين بالمحصلة هم بشر ومن واجبي ضمن رسالتي الإنسانية أن أدافع عن حقوقهم أيضاً، بعيداً عن الابتذال الذي فرض على البعض منهم تحت ضغط الحاجة ربما، أو ضغط شركات الإنتاج والتسويق، وأنا أصر على صفة «الفنان» فهي الصفة الأصيلة التي يجب توافرها أولاً من حيث الموهبة والحس الإنساني العميق.

تجربة تقهر الروح

وحول صعوبات الواقع المعيشي وتأثير ذلك على الفرص المتوفرة بظل الواقع الراهن، قال الأمير: خضت تجربة الغناء بأحد المرابع، تحت ضغط الحاجة، قبل أن أجد نفسي منذ عشرون عام تقريباً، أياماً فقط، ولكنها كانت تجربة قاسية على المستوى الروحي والنفسي، ولم أستطع تكرارها، والمشكلة ليست بالحضور، فهذه الأماكن ليست مناسبة للغناء الملتزم، حيث شعرت بأنها تجربة فيها قهرٌ للروح.

ثقافة قبول الآخر 

مهمة إنسانية ووطنية

وحول التوجه للإنسان عبر الغناء بظل الحرب والأزمة قال: الفقر والجوع والهم والتشرد هي عوامل مشتركة بين السوريين جميعهم بالمرحلة الراهنة، الفقراء ومحدودو الدخل والبسطاء من السوريين هم سياج البلد والمدافعون عنه، وهؤلاء من يدفع الضريبة الأكبر على مستوى الدم والمعيشة والتشرد، وهم من لهم مصلحة حقيقية ببقاء سورية الموحدة، رغم السموم كلها التي يسعى البعض إلى غرسها في نفوسنا من الخارج، على مستوى التحريض الطائفي والديني والمذهبي والقومي، بغاية تمزيقنا.

ويضيف: عندما أخاطب الإنسان بالكلمة المغناة فأنا لا أستثني أحداً من رسالتي، بل لعلي أستثير المحبة عبر التحريض من أجل ترويض النفوس الجامحة وإيقاظ الحب والفرح وزرع الأمل في النفوس، وخاصة تحت هذه الضغوط الممارسة على السوريين، فالسوري بالنسبة لي يبقى سورياً وهمه هو همي، وسورية تسعنا جميعاً بمحبتها، وعلينا أن نكون سباقين بتقديم ما يلزم من أجل سورية الأم المحبة لجميع أبنائها، فقبول الآخر بهذه المرحلة مهمة إنسانية ووطنية، فإدراك المصير المحتوم والوجود الزائل بالحياة أحد مرتكزات رسالتي ورؤيتي للحياة ودوري فيها، ليس من باب الاستسلام للمصير والقدرية، بل على العكس من باب التحكم الأكبر بهذه المصائر، ولكن على المستوى الجمعي، مع بعض النكران للذات، ليس من باب الزهد بالحياة أيضاً بل منعاً للاستكبار والاستقواء. 

عزالدين شاكراً

الفنان الأمير برصيده أكثر من 150 أغنية مسجلة ضمن الإمكانيات الفردية، جلها من كلماته وألحانه وغنائه، واستعان في البعض منها بكلمات شعراء محليين ومصريين، ولم يغفل أثناء اللقاء ذكر أي منهم بالاسم، شاكراً لهم ومقدراً تعاونهم معه، كما لم يغب عن باله ذكر أعضاء الفرق الفنية التي تعاون معهم أيضاً وكان لهم دور فاعل بمساعدته أيضاً مع الموزعين الموسيقيين، وحتى الاستوديوهات الفنية التي عمل معها أيضاً.

ولكن لا بد من التنويه إلى شكره الخاص لزوجته وأسرته الصغيرة حيث قال: زوجتي وأسرتي هم من يساندوني ويدعموني كما يشجعوني على الاستمرار في رسالتي الفنية.

يشار إلى أن عز الدين الأمير بصدد إصدار ألبوم غنائي جديد فيه مجموعة من الأغاني الجديدة: (نظرة الأحداق) شعر فرحان الخطيب، (دنيا وناس) الشاعر الغنائي المصري ابراهيم سعدة، وأغاني (بيتي- نووي- محبوبتةً- سوري- وصية جدي- سورية الحب) من كلماته وألحانه، والبعض من الفلكلور والتراث مع التطوير من روح الفنان الأمير.

كلمات من بعض الأغاني:

من أغنية بعنوان الجوع:

يلعن أبو الجوع.. ما يخلينا نضحك

يلعن أبو الجوع.. ينسينا إسمي وأسمك

..... يكسر حلمي وحلمك

من أغنية بعنوان سورية الحب:

يا نبض القلب يا أغلى الأسامي

سورية الحب سورية الكرامة

يا رح الروح غالية يا بلدنا

يا أم الكل أصالة وشهامة

ومن أغنية بعنوان وصية جدي:

قلي جدي وأنا صغير... وصية وحافظ كلماتو

خلي قلبك بيت كبير... والمحبة جواتو

واللي بيخزق خبز الغير... الغير بيخزق خبزاتو

واللي بيقطف ورد الناس.. الناس تشلع ورداتو

من أغنية يا ساتر:

أخوة يا ساتر.. بتفرقنا دشمة وساتر

ونحنا اللي جسمين بروح.. وعلى بعض نساتر

ولوووه.. يا ساتر