سامر عادلة سامر عادلة

المراكز الثقافية.... بلا ثقافة.. بلا رقابة.. بلا حياة!

هل تريد أن تواكب الحراك الثقافي؟
أن تسمع أهم الشعراء وأبرز القصاصين وأكبر الروائيين..؟
أن تستمتع بمحاضرة هامة ومسرحية مبدعة وفلم سينمائي جديد؟
هل أنت بحاجة إلى تجربة ثقافية جديدة..؟
إذاً عليك بالمراكز الثقافية. فهي المعنية بتقديم كل هذا إليك، بل وأكثر. فهل هي كذلك؟ هل تعبر عن اسمها على أقل تقدير أي مراكز للثقافة؟ ما هي الثقافة التي تقدمها؟ وما هي أنشطتها؟

أسئلة كثيرة تخطر بذهنك وأنت في طريقك إلى أي مركز من مراكز الثقافة تلك.
ولن تتعب في تعقب الإجابة لأنك ستجدها مباشرة في لوحة الإعلانات عبر الأنشطة التي يقدمها المركز.
إن خطة نشاطات المركز الثقافي تجيبك عن جميع أسئلتك وتخرج بنتيجة بسيطة مفادها أن هذه المراكز قد يكون لها علاقة بأي شيء إلا الثقافة.
ونشير بداية أن وزارة الثقافة لا علاقة لها ولا سلطة على المراكز الثقافية. وكل ما يربطها بتلك المراكزهو تقرير شهري روتيني يؤرشف لنشاط المركز، والوزارة لا تصدر أي توجيهات أو تعليمات للمراكز رداً على التقرير.
فهل هذا التجاهل لها أم عليها؟ سؤال منوط بوزارة الثقافة.
مدراء مراكز الثقافة... بلا ثقافة
من هم مدراء المراكز الثقافية؟ وماذا يفعلون بالمراكز وبالثقافة؟.
نحن لا نفشي سراً إذا قلنا أن مدراء المراكز الثقافية يتم تعيينهم بقرار سياسي لا تملك إزاءه وزارة الثقافة أي اعتراض، ولا علاقة لها بهذا المنصب وبمن يشغله لا من قريب ولا من بعيد.
شعبة الحزب في أي محافظة ترشح ثلاثة أشخاص لشغل هذا المنصب والقيادة القطرية تختار أحد المرشحين الثلاثة.
ومن هذا الموقع القيادي للشعبة أصبحت المراكز الثقافية بكل كادرها دوائر تابعة لها وليس لوزارة الثقافة.

ما المهم بشخصية مدير المركز؟
كل شيء قد يكون هاماً إلا الثقافة. هذا ما يثبته واقع الحال في تلك المراكز وأولى المهام التي يضعها مدير المركز الثقافي نصب عينيه عند تسلمه الإدارة هو إثبات جدارته أمام من وضعه.
أما ما هي الجدارة، وكيف تثبت فهذا شأن قد لا يكون أيضاً للثقافة علاقة به.
لا نريد أن نعمم ونأخذ البعض في جريرة الكل، فلا شك أن هناك مراكز نشطة يقف خلفها مدراء على درجة عالية من الثقافة والوعي.
يحاولون عبر الإمكانات المتواضعة إقامة نشاطات ملفتة، لكن هناك أكثر من إشكالية تقف في طريق أنشطتهم سنأتي على ملامستها في سياق هذه المادة.

خطة نشاطات المراكز

وتتضمن عادة أمسيات شعرية ـ محاضرات ـ معارض ـ مسرح ـ سينما... الخ بداية نشير أنه لا يوجد أي مدير مركز ثقافي يعرف حجم النشاط المكلف به
كم محاضرة يجب على المركز أن يوفرها في الشهر؟
كم أمسية؟ كم معرضاً فنياً؟...الخ
لا أحد يعرف ذلك.
المراكز تمارس عملها دون توجيهات محددة ودون خطط عمل ولا يوجد لديها أي التزام تجاه أي نشاط، ولم يحدث قط أن حوسب مدير مركز من إدارته لأنه عمل أو لم يعمل فالأمر سيان سواء كان هناك نشاط وفعل ثقافي أو لم يكن. ويفضل أن لا يكون،ربما من باب التوفير.. ماذا يقدم في خطط النشاط؟
من هم المحاضرون والشعراء والفنانون؟
نقف أمام لوحة الإعلانات ونقرأ ـ على سبيل المثال ـ محاضرة بعنوان: رسائل الاتصال بين الماضي والحاضر وفضل الحمام الزاجل على الانترنيت، أو محاضرة بعنوان ـ الطب في الفكر الصيني ـ
أمسية شعرية ـ لفلان وفلان
عرض سينمائي ـ كرتون ـ توم وجيري
إن معظم العناوين المطروحة لا علاقة عميقة لها بالثقافة، وصدق من سمى أولئك المحاضرين بالمتسولين الثقافيين، فهم يتأبطون عدة محاضرات وأبحاث وقصائد في مجالات مختلفة: سياسة ـ أدب ـ فن ـ علوم...الخ.. ويتنقلون من مركز ثقافي إلى آخر يعرضون بضاعتهم مستفيدين من خلو هذه المراكز من الأنشطة الثقافية الحقيقية.
وباعتبار مدراء المراكز لا يميزون بين الأنواع ولا يميزون المثقف من المسقف أو المدعي ينسّقون لهم أنشطتهم التي يلقونها على الكراسي الخاوية والذباب ويخرجون بعد ذلك وهم يشتمون هذا الزمن الذي جعل الجمهور لا يتواصل معهم ومع النتاج الثقافي الراقي.
هؤلاء إما ضباط متقاعدون اكتشفوا مواهبهم الأدبية والفنية بشكل متأخر أو مدرسون يبحثون عن دخل إضافي أو طفيليون غُرر بهم وبإمكانياتهم. وأسماء هؤلاء تتكرر في جميع المراكز الثقافية على مساحة سورية فهم كالجراد ينتقلون من مركز إلى آخر.
تتسم محاضراتهم وقصائدهم بأنها مناسبة لكل فترة زمنية وتواكب الحدث الراهن.
فعندما يشتد الضغط على سورية تكون المحاضرات عن الصمود أمام الهجمة الشرسة وعندما تنتصر المقاومة يتفنون بها وبانتصاراتها شعراً ونثراً.
وعندما لا يجدون حديثاً يتفننون به يتبادلون المديح فيما بينهم أو يمتدحون مدراء المراكز الذين يرشحونهم إلى مراكز أخرى، ولم لا؟ فهم لا يعرفون إذا كانت بضاعتهم ثقافة أم سخافة.
أما الجدوى المادية من هذا النشاط فهي كالتالي:
يتقاضى الشاعر إذا كان من داخل المحافظة مبلغ 810 ل.س وإذا كان من خارج المحافظة 1300 ل.س
طبعاً المبالغ سخيفة وغير مجدية لكن تخيل معي أحد المتسولين الثقافيين الذين يتأبطون محاضرات في الشعر والطب وحرب النجوم والبيئة وينتقلون على مدار الشهر من مركز إلى آخر ويتقاضون عن كل محاضرة مبلغ 1900ل.س.
أظن أن الدخل الشهري يصبح مغرياً ناهيك عن الترويج الإعلامي.
معهد الثقافة الشعبية... بلا شعبية
في كل مركز ثقافي يوجد معهد للثقافة الشعبية يتبع لمديرية الثقافة الشعبية هذا المعهد يقيم دورات مختلفة لم تطلها يد التطور منذ عهد سيدنا آدم وحتى الآن وهي دورات في اللغات ـ الآلة الكاتبة ـ الخط العربي ـ الموسيقى ـ قص الشعر ـ خياطة وتفصيل ـ كمبيوتر.
وهذه الدورات تعيق أنشطة المراكز الثقافية الفاعلة فهل من العدل أن يكون هناك قاعة للخياطة والكنويشا ولا يوجد قاعة للمسرح؟ لماذا لا يكون لمديرية الثقافة الشعبية مقرات مستقلة خاصة بها وبأنشطتها؟ لماذا ربطها بالمراكز الثقافية وهي تتبع لإدارة مستقلة ومختلفة الجانب الآخر إن ما تقدمه هذه المعاهد لم يعد يجدي نفعاً لأن الزمن تغير وهي في مكانها ثابتة لم يطرأ عليها أي تغيير.
إن دورة الآلة الكاتبة أو الكومبيوتر لم تعد تؤمن فرصة عمل للمواطن كما في السابق هناك تخصصات عالية لا يجد أصحابها فرصة عمل مناسبة كما أن هذه المعاهد لم تستطع أن تبني جسور ثقة بينها وبين المواطن إذ يحرص أي طالب يرغب في تطوير قدراته في أي اختصاص أن ينتسب إلى معهد خاص رغم الأجور العالية ولا ينتسب إلى معهد الثقافة الشعبية.
والسبب أن إدارات هذه المعاهد لا يهمها نجاح دوراتها فهم يتقاضون رواتبهم سواء نجحت الدورة أو لم تنجح، كان هناك حضور أو لم يكن الأمر سيان ومن هنا يعرض الجميع عن هذه الدورات ويلتحقون بدورات القطاع الخاص فهي على أقل تقدير تواكب الجديد والحديث.
مركز اجتماعات.. أم مركز ثقافي؟!
فروع الحزب ـ الفلاحون ـ الطلائع ـ الشبيبة....الخ
جميع هذه المنظمات والنقابات والهيئات تقيم اجتماعاتها في المراكز الثقافية لماذا؟!
المعروف عن هذه الجهات أن لديها مرافق في جميع المحافظات فلماذا تتوجه إلى المراكز الثقافية؟ هل هو من باب الوجاهة؟ أم أن هناك أسباباً أخرى نجهلها؟!
إن هذه الاجتماعات تترك آثاراً سلبية على الجمهور إذ ساد اعتقاد أن المراكز الثقافية هي عبارة عن مراكز اجتماعات نقابية وحزبية وهذا أحد أسباب عزوف الناس عن المراكز الثقافية.
لماذا يفرض على المراكز الثقافية أن تكون مؤسسة خدمية لجهات أخرى وهل هذه الاجتماعات تخدم الحراك الثقافي في أي مكان.
من يكافأ ومن يدان

لنتفق على مسلمة أن أحداً لم يدن ولن يدان على أي تقصير في أي مركز ثقافي، ومن أطرف ما ورد إلينا من أخبار المراكز أن وزارة الثقافة تبعث بكتب شكر لبعض المراكز الثقافية بين الفينة والفينة لأنهم لم يفقدوا أي كتاب من مكتباتهم نتيجة الإعارة، وهذا الأمر يستحق الثناء، لذلك الوزارة تسارع وتثني عليهم.
لكن النكبة الكبرى التي لا تعرفها الوزارة أن أحداً لا يدخل هذه المراكز وتحديداً قاعات الإعارة، لذلك أمر طبيعي أن لا يُفقد منها أي كتاب.
أما المراكز النشطة في مجال الإعارة والتعامل مع الطلبة غالباً ما تُفقد منها بعض العناوين.
وهذه المراكز تستثنى من كتب الثناء رغم نشاطها.
والمشكلة التي تساهم في فقدان الكتب أن الموظفين غير مختصين وليسوا من خريجي المكتبات.
يتم تعيينهم عادة بالتلفون وبدون مسابقة وبالتالي لا يوجد تنظيم للعمل مما يتيح للفوضى أن تأخذ مجدها على أوسع نطاق.
مراكز الريف

النشاط الثقافي إن وُجد فهو متمركز في المدن، أما الريف فهو خالٍ من أي فعالية ثقافية وتنطبق عليه بشكل كامل كل الملاحظات التي ذكرناها.
هناك مراكز ثقافية تجتر منذ تأسيسها محاضرات سطحية لأسماء معينة تتكرر على مدار العام.
لماذا أسستم مسرحاً جوالاً ـ على سبيل المثال ـ وهو لا يتجول على مراكزكم؟
لماذا أسستم المراكز الثقافية وأنفقتم عليها ما أنفقتم إذا كنتم لا تفعلونها بشكل صحيح؟
هل هي مبان للتاريخ فقط؟
لدينا للتاريخ ما هو أكبر من مبانيكم.